المقدمة
(أول وأهم ترجمة لتوراة النبي موسَى تمت قبل ميلاد المسيح في مدينة الإسكندرية عام ٢٨٢ ق.م. عندما استقدم حاكم مصر بطليموس فيلادلفوس ٧٢ من علماء اليهود ليترجموا كتاب العهد القديم من اللغة العبرية القديمة إلي اللغة اليونانية، وهي الترجمة التي تُعرف بالترجمة السبعينية. أول ترجمة عربية لتوراة النبي موسىَ ظهرت في القرن الثامن الميلادي، عندما قام يوحنا أسقف مدينة أشبيلية في أسبانيا بترجمة كتب توراة موسى الخمسة وأجزاء من كتاب العهد القديم نقلاً عن الترجمة اللاتينيـة.توراة النبي موسَى تتكون من ٥ كتب ، وهي: ١- سفر التكوين ٢- سفر الخروج ٣- سفر اللاويين ٤- سفر العدد ٥- سفر التثنية. سيرة النبي موسى تبدأ في الكتاب الثاني (سفر الخروج) بمولد النبي موسَى في مصر، وتنتهي في الكتاب الخامس (سفر التثنية)، حين كلف النبي موسَى قبل موته، مساعده يشوع بن نون (فتَى موسَى المذكور في القرآن الكريم) ليتولى قيادة بني إسرائيل بعده. وللتعرف على قصة النبي موسى بتمامها يجب أن نعود إلى البداية في الكتاب الأول من توراة موسَى (سفر التكوين)، الذي نجد فيه قصة النبي يعقوب ووصول النبي يوسف أرض مصر وهو في سن ١٧ سنة، ثم تعينه واليًا على أرض مصر وهو في سن ٣٠ سنة.)
1
الإبتلاء - عبودية بني إسرائيل في مصر
حين كان النبي يوسف واليًا على أرض مصر، أرسل إلى أبيه يعقوب ليرحل من أرض كنعان (فلسطين الآن) ويأتي هو وكل أهل بيته ليعيشوا معه في مصر. فجاء إلى مصر النبي يعقوب ومعه ١١ من أبنائِه وهم: رَأُوبَيْنُ، وَشِمْعُونُ، وَلاَوِي، وَيَهُوذَا، وَيَسَّاكَرُ، وَزَبُولُونُ، وَأَشِيرُ، وَدَانُ، وَنَفْتَالِي، وَجَادُ، وَبَنْيَامِينُ، ومعهم عائلاتهم (وهم أسباط بني إسرائيل المذكورين في القرآن). فكَانَ مجموع القادمين إلى مصر من بني يَعْقُوبَ ٧٠ فردًا. وكان عمر النبي يعقوب حين دخل مصر ١٣٠ سنة، وبعد ١٧ سنة عاشها النبي يعقوب في مصر ، مات وعمره ١٤٧ سنة. وبعد موت النبي يعقوب عاش النبي يوسف مع أخوته في مصر لمدة ٦٣ سنة، ثم توفاه الله وقد بلغ من العمر ١١٠ سنة. وبعد موت النبي يوسف وأخوته وكل الجيل الذي دخل مصر من أبناء النبي يعقوب، تكاثر بني يعقوب في مصر وزاد عددهم جدًا وتعاظمت قوتهم وملئوا كل أرض جاسان (الموجودة في شرق دلتا النيل ، محافظة الشرقية حاليًا). وبعد مرور عدة أجيال تولىَ الحكم على مصر الفرعون سيتي الأول ابن الفرعون رمسيس الأول ، لكنه لم يكن يعرف ما فعله النبي يوسف حين كان واليًا على أرض مصر. وفي يوم من الأيام قال الفرعون لأتباعه: «ألا ترون كم نما عدد بني إسرائيل وزادت قوتهم حتى أصبحوا خطرًا علينا وتهديدًا لأمننا! فلندبر أمرًا لمنع زيادتهم والسيطرة على قوتهم، لأنهم حين تقوم حرب ضدنا يتحالفوا مع أعدائنا ويخرجوا من أرضنا». فبدأ الفرعون يسخرهم في الأشغال الشاقة تحت إشراف مراقبين قاسيين، فبنوا مدينة فِيثُومَ ومدينة رعمسيس (في شرق دلتا النيل) لِتَكونا مَخازنَ خاصة للِفرْعَون. لكن بالرغم من قسوة الفرعون عليهم في السُخرة والاستعباد ظل عدد بني إسرائيل في ازدياد. فزاد خوف الفرعون أكثر من إزدياد عدد بني إسرائيل. فسخرهم الفرعون بلا شفقة فِي كُلِّ أعمال ٱلْحَقْولِ وفي صناعة أحجار ٱلطِّينِ، فعاش بَنِي إِسْرَائِيلَ في بؤس وشقاء عَظِيمٌ.
فلما رأى الفرعون أن خطته لم تُفلح، استدعى شِفْرَةَ وَفُوعَةَ القابلات أو الدايات المشرفات على توليد نساء بني إسرائيل وقال لهما:
«أنظرا حِينَ تُوَلِّدَانِ نِّساءَ بني إسرائيل، فإذا كانَ المَولودِ وَلَداً اقتُلاهُ، وَإنْ كان بِنتاً فاترُكاها لِلحياة.» لكن شِفْرَةَ وَفُوعَةَ خافتا من الله، فلم تقتلا المواليد الذُّكُورَ في بني إسرائيل. فاستدعاهما الفرعون مرة ثانية وسألهما: «لماذا لم تُطيعا أمري وتركتم المواليد الذكور تعيش؟» فقالتا للفرعون: «الذنب ليس ذنبنا، لأن نساء العبرانين أسرع في الولادة من نساء المصريين، ويلدن قبل وصولنا.» فجازَى الله شِفْرَةَ وَفُوعَةَ جزاء التقوى، فأصبحتا قادرتان على الحمل والإنجاب بعد أن كانتا لا تنجبان. واستمر عدد بني إسرائيل في الزيادة. وأخيراً أصدر الفرعون أمر لكل الشعب وقال: «اتركوا المواليد البنات فقط تعيش، وترموا في نهر النيل كل مولود ذكر يولد في بني إسرائيل».
2
مولد النبي موسى
في هذا الوقت، كان هناك رجل من بني إسرائيل اسمه عمران متزوج من امرأة اسمها يوكابد وكلاهما من سبط لاوي بن يعقوب. وكان لديهما بنت اسمها مريم وولد اسمه هارون. فَحَمَلت يوكابد زوجة عمران وأنجبت ولداً آخر، وكان الولد جميلاً ووسيمًا فخبأته لمدة ثلاثةَ أشهرٍ لديها. لكنها بعد ذلك لم تستطيع أن تُبقيه مخفيًا عن عيون رجال الفرعون، فصنعت سلة من نبات البَرْديِّ ودهنتها بالقطران لتمنع الماء من الدخول إلى السلة، ووَضعت فيها الطفل ثم وضعتها في الماء بين نبات الحلفاء على ضفة نهرِ النيل. وتتبعته أختهُ مريم عن بُعدٍ تراقب ما سيحدث لأخيها الصغير. في نفس الوقت، نَزلت واحدة من أهل بيت الفرعون لتستحمَّ في النيل بينما كانت خادماتِهَا تتمشين على ضفة النهر، فرأت السلةَ طافية على الماءِ، فأرسلت خادمتها لتأتي بها إليها. فجاءوا إليها بالسلة، وحين فتحتها رأت الطفل يبكي، فأشفقت عليه وقالت: «لابد أن هذا من أولادِ العبرانيين». فاقتربت أخته مريم وقالت لها: «يا سيدتي، هل أدلكم علَى امرأةً من العبرانيين ترضع لكم الصبي؟» فقالت لها: «اذهبي واحضريها»؛ فذهبت مريم إلى أمها وآتت بها إلى القصر لتقابل الأميرة. فقالت الأميرة لأم الولد: «خذي هذا الطفل وأرضعيه، وأنا أعطيك أجرة كفالته». فأخذت الأم أبنها وأرضعته. وحين كبر الصبي وتم فطامه، ردته أمهُ إِلَى الأميرة في بيت الفرعون فتبنته وسمته موسَى لأنها قالت: «أنا انتشلتُه من الماء». وترَبى موسى وكبر في بيت الفرعون (حتى بلغ سن ٤٠ سنة وتعلم التقاليد الملكية.) وفي يوم من الأيام ذهب موسى إلى الأماكن التي يعمل فيها العبرانيين بالسُخرة، فوجد رجلاً مصريًا يضرب رجلاً من العبرانيين. فتلفتَ موسى حولَهُ، ولما وجد أن أحدًا لا يراه، قتل موسَى المصري وأخفَى جثته تحت الرمال. وفي اليوم التالي ذهب موسى إلى نفس المكان فرأَى رجلينِ من العبرانيين يتشاجرانِ، فقال موسى للمُعتدي: «لماذا تَضرب أخاك؟» فقال الرجل: «يا موسَى مَن جعلك قاضيًا ورئيسًا علينا؟ أَتريدُ أن تقتلني كما قتلتَ المصري بالأمسِ؟» فخاف موسى لأنه عرف أنه قد أفتضح أمره. وحين سمع الفرعون بالخبر، أمر بقتل موسى جزاء قتل المصري. فهرب موسَى ليسكن في أرض مِدْيَانَ (في شرق خليج العقبة). وكان في مِدْيَانَ رجل أسمه شعيب من أولياء الله الصالحين، وكان لديه سبعُ بنات. وحين وصل موسى إلى مديان جلس بجانب بئر ماء. فَجائت البنات إلى البئر لتسقي غنم أبيهن شعيب. لكن رجال من رعاة الأغنام في المنطقة جائوا وطردوا البنات. فَقام موسى ودافع عن بنات شعيب وسقَى لهن الأغنام. وعندما رجعت البنات إلَى أبـيهِنَّ شعيب سألهن: «كيف رجعتن بهذه السرعة اليوم؟» فَقالت البنات: «الرعاة ضايقونا، لكن رَجلٌ مصريٌّ دافع عنا وسقى لنا الأغنام». فسألهن شعيب: «وَأين هو أذن؟ ولماذا تركتوه هناك؟ هيا اُدعونه ليأكل معنا» فقبل موسى الدعوة وأقام عند شعيب. وبعد ذلك زوجهُ شعيب من أبنته الكبرَى صفورة. وحين أنجبت له صفورة أبناً، قال موسَى: «أنا مغتربٌ في أرضٍ غريبةٍ» فسمى الولد جرشوم (ومعناه غريب). ومَر الزمان ومات الفرعون الذي أمر بقتل موسى. وأستمر بني إسرائيل يعانون من سُخرتهم، وصرخوا إلى الله لينقذهم. فسمع الله صرختهم ورحمهم، كما وعد أبائهم إبراهيم وإسحاق ويعقوب.
3
على طور سيناء - موسىَ كليم الله
وكان موسَى يعمل في رعاية أغنام شعيب الذي كان من أولياء الله الصالحين في مديان. وفي يوم من الأيام، قرر أن يعبر الصحراء ويرعَى غنم شعيب عند جبل الطور في سيناء. وهناك ظهر له وحي الله في لهب شجرة تشتعل فيها النار. ورأىَ موسى الشجرة مُشتعلة لكن دون أن تحترق! فقال موسى في نفسهِ: «هذا أمر عجيب! أقترب لأرىَ لماذا لا تحترق هذه الشجرة» وحين اقترب موسى من الشجرة، ناداه الله: «يَا مُوسَى، يَا مُوسَى»، فَقال مُوسَى: «هَا أَنَا» فقال الله: «لا تقترب من الشجرة. اخْلَعْ نَعْلَيْكَ لأن الأرض التي تقف عليها مقدسة. أَنَا هو اللَّهُ إلهُ أباءك إبراهيمَ وإسحَاقَ ويعقوبَ.» فخاف موسَى من أن يرفع عينه وينظر إلى الله، وحجب وجهه بيده. فقالَ الله: «يا موسَى، رأيت شعبي يعانون من العبودية في مصر، وسمعت صرخات توسلاتهم لأنقذهم من عبوديتهِم، وأنا أعلم بشقائهم، فسأحررهم من عبوديتهم، وأخرجهم من أرض مصر إِلَى أرض الكنعانين، التي يسكنها أيضًا الْحِثِّيِّينَ وَالْأَمُورِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ. أرضاً تفيضُ لبناً وعسلاً وفيها من كل الخيرات. هيا أرسلك الآن إِلَىٰ فرعون، فاذهب لتُخْرج بني إسرائيل من أرض مصر». فقال موسَى: «يا رب، مَن أنا حَتى أذهبَ إلَى فرعون، وأُخرِجَ بني إسرائيل من مصر؟» فقال له الله: «يا موسى، أنا سأكون معك. فعندما تُخرج أمة عهدي من مصر وتعودون إلى هنا، ستعبدوني على هذا الجبل وهذه علامة لك أني أنا الذي أرسلتك.» فقالَ مُوسَى: «يا رب، إن أنا ذهبت إلى بني إسرائيل وقلت لهم أن إله أبائكم أرسلني لكم. فإن سألوني: "وما هو أسمه؟" فماذا أقول لهم؟» فَقالَ الله لِمُوسَى: «أنا هو الله الحي القيوم، وهذا هو أسمي إلى الأبد، تدعونني به جيل بعد جيل. يا موسى أجمع شيوخ بني إسرائيل وتقول لهم: "يا بني إسرائيل، إله أبائكم إبراهيم وإسحَاق ويعقوب ظهر لي لأبلغكم أنه بصير بالعذاب الذي أنتم فيه في مصر، فأرسلني إليكم. والحي القيوم وعد بأن يخرجكم من ضيقتكم، ليهب لكم أرض كنعان، أرضاً تفيضُ لبناً وعسلاً وفيها من كل الخيرات›. يا موسى، إليك سَيُصغي شيوخ بني إسرائيل. فأذهبُ إلى فرعون وقل له: ‹إله بني إسرائيل قد كلمنا وقال لنا، أن نخرج ونمشي في الصحراء مدة 3 أيام، لنتعبد له ونقدم الأضاحي.› لكن أنا أعلم يا موسَى أن فرعون لن يأذن لكم بالخروج إلا إذا أجبرته يد قوية. فأرفع يد قدرتي على مصر بآيات كثيرة، بعدها يدعكُم فرعون تخرجون. وحين تخرجون، أجعل لكم فضلاً في عيون المصريين. فَلتطلبُ كلُّ امرأةٍ مِن جارتها، أو ممن تقيم في بيتها فضة وذهباً وثياباً، فيعطونكم كل ما طلبتم فتأخذوه وتضعوه على أولادكم وبناتكم.»
4
عودة موسىَ إلى مصر
فقال موسَى: «ربي، لكن ماذا لو لم يسمعوا لقولي ولم يصدقوا أنك كلمتني؟›» فَقالَ لَهُ اللهُ: «ما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى؟» قالَ موسى: «هِيَ عَصَا، أرعىَ بها غنمي.» فقَالَ الله لموسَى: «ألقها يا موسَى.» فألقاها فإذا هيَ حية تسعَى! فتراجع موسَى خطوات للخلف. فقالَ الله لموسَى: «مد يدك يا موسَى وخذهَا من ذيلها.» فمد يده موسىَ وأمسكها فتحول الثعبان عصا مرة أخرَى. فَقالَ الله: «حين تفعل ذلك سيصدق بني إسرائيل أن إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب ظهر لك حقًا». ثم قال الله: «يا موسى أدخل يدك في عباءتك.» فأدخل موسىَ يده في عباءته، وَحِين أخرَجَها تحولت بَيْضَاءَ كالثلج. ثم قال الله: «أدخل يدك في عباءتك مرة أخرىَ.» فأدخل موسىَ يده في عبائته، وَحِينَ أخرَجَها عادت إلى طبيعتها. وقالَ الله لموسَى: «إنْ لم يصدقوا هاتان الآيتان، تأخذ من ماء النيل وتسكبه على الأرض، فيصير الماء دَماً.» فقالَ مُوسَى: «عفوك ربي ، لكن أنا لساني ثقيل ولست فصيحًا في الكلام.» فَقالَ الله: «يا موسى، مَن الذي خلق ناس تتكلم وناس عاجزه عن الكلام؟ ومَن الذي خلق ناس ترىَ وناس عميان؟ أليس كل هذا بيدي أنا؟ فالآن اذهب. وانا سأكونُ معك وسألهمك ماذا تقول.» إلا أن مُوسَى قالَ: «عفوك يا رب، فلترسل أحدًا غيري.» فغضب الله وقال لموسَى: «يا موسى، أخوك هارون اللاوي فصيح في الكلام، وهو الآن في الطريق للِقائكَ. أنت تقول لهارون كل ما تريد قوله، وهو سيكلم الناس بالنيابة عنك. وأنا سأكون معكما. والآن، خذ عصاك في يدك وأظهر لهم بها المعجزات.» فرجع موسىَ عند شعيب في مِدْيَانَ. وهناك أوحى له الله: «يا موسى، هيا أنزل إلى مصر، فقد مات كل مَن كانوا يطلبون دمك». فذهب موسىَ إلى شعيب وقال له: «يا عمي، أسمح لي أن أنزل لمصر لأرىَ إن كان أخوتي أحياء وبخير.» فقال له شعيب: «حسنًا، فلتذهب أذن بسلام.» فأخذ موسَى زوجتهُ وأولادَهُ وأركَبهُم علَى الدوابٍ، وفي يدهِ العصا التي فعل بها المعجزات، ونزل إلى مصر. وفي الطريق اوحىَ الله لموسىَ: «يا موسى، حين تعود إلى مصر، تصنع أمام فرعون المعجزات التي صنعتها. لكني سأقسي قلبه فيستكبر ويرفض أن يُطلق شعبي. حينها تقول للفرعون: ‹إن بني إسْرائِيل بمثابة الأبن البكر عندي. فاطلق شعبي يخرج ليعبدني، وإلا أهلكت أنا أبنك البكري.›» وبينما موسى وأهل بيتِه في الطريق، أوحى الله إلى هارون: «يا هارون، أمشي في طريق الصحراء لتقابل أخوك موسىَ في الطريق.» فذهب هارون كما أمره الله، فالتقىَ بموسى عند جبل سيناء. وأخبر موسَى هارون بكلِّ ما أوحىَ به الله إليهُ، وبكلِّ الآيات الَّتِي أمره الله بفعلها. بعدها ذَهب موسَى وهارونُ وجَمعا كلَّ شيوخِ بني إسرائيل. وبلغ هارون بني إسرائيل كل ما أوحىَ به الله لموسىَ، وأظهر موسى أمام الشعب المعجزات. فآمن بني إسرائيل. وسجدوا لله رب العالمين لأنهم عرفوا أن الله بصير بمذلتهم ويريد أن يخلصهم.
5
فرعون يرفض رسالة الله
بعد ذلك، ذهب موسى وهارون إلى فرعون وقالا: «الله إله بني إسرائيل أرسلنا لنقول لك: ‹أَترك بني إسرائيل يخرجوا ليتعبدوا لي ويقدموا الأضاحي في البرية›» فقال فرعون: «فمن هو ذا الله إله بني إسرائيل حتى اُطيع قوله واسمح بخروجهم؟ أنا لا أعرف الله إله بني إسرائيل هذا، ولن اُتركهم.» فقالا له: «يا فرعون، الله إله بني إسرائيل كلمنا، وأمرنا أن نخرج ونمشي ثلاثة أيام في الصحراء لنتعبد ونقدم الأضاحي لإلهنا. وإن لم نفعل، يمكن أن يعاقبنا بالأوبئة أو بالسيف يهلكنا». لكن فرعون قال: «لماذا تريدان يا موسى أنت وهارون أن تعطلا الشعب عن عملهم؟ هيا ارجعوا واجتهدوا في عملكم.» وفي نفس اليوم أصدر فرعون أمراً للمشرفين المصريين ورؤساء عمال بني إسرائيل، وقال لهم: «أسمعوا، لا توفروا أنتم للعبيد القش المطلوب لصناعة الطوب، بَل أجعلوهم يبحثوا ويجمعوا القش بأنفسهم. وتطالبوهم بإنتاج نفس كميةِ الطوب دون إقلال منها. اجهدوهم في العمل فهم كُسالىَ ومزعجون، حتى جاءونا يقولون: ‹دعنا نخرج للبرية نحتفل ونتعبد لإلَهِنا.› شددوا عليهم في العمل فلا يسمعوا لكذب موسى وهارون». فخرج المشرفون المصريون وقالوا لرؤساء عمال بني إسرائيل: «أسمعوا يا عمال بني إسرائيل، بأمر الفرعون، من اليوم لن نعطي لكم القشً المطلوب لصناعة الطوب. بل تبحثوا أنتم في أي مكان وتجمعوا القش لأنفسكم، وتصنعوا نفس كمية الطوب المطلوبة منكم.» فمشىَ بني إسرائيل فِي كل مصر ليبحثوا ويجمعوا القش لأنفسهم. لكنهم عجزوا عن إنتاج نفس كمية الطوب المطلوبة منهم. وحين عجزوا عن إنتاج نفس الكمية من الطوب، ضرب مشرفوا التسخير رؤساء العمال في بني إسرائيل، لأنهم لم يجعلوا عمال بني إسرائيل يعملوا بجهد لينتجوا كمية الطوب المطلوب منهم». فذهب رؤساء عمال بني إسرائيل للفرعون وتوسلوا له وقالوا: «يا جلالة الفرعون، نحن عبيدك فلماذا تعاملنا بقسوة ونحن لك خاضعين؟ المشرفون المصريون لم يوفروا أي قش لنا، وطلبوا نفس كمية الطوب كل يوم منا. وها هم المشرفون الآن يضربونا على شيء مستحيل علينا». فقال لهم فرعون: «أنتم كسالىَ يا بني إسرائيل، لذلك تطلبون مني بإستمرار أن تخرجوا في الصحراء لتتعبدوا لإلهكم. الآن عودوا إلَى عملكم. والقش لن نعطي لكم، ولابد أن تنتجوا نفس الكمية من الطوب المطلوبة منكم.» فخرج رؤساء عمال بني إسرائيل من عند الفرعون وهم يقولون في أنفسهم: «لقد وقعنا في ورطة كبيرة». وكان موسى وهارون في إنتظار رؤساء عمال بني إسرائيل. ولما خرج رؤساء عمال بني إسرائيل من عند الفرعون قالوا لموسى وهارون: «منكما لله هو يعاقبكما. كل المصائب التي نحن فيها بسببكما، جعلتما الفرعون يغضب علينا، واعطيتم له سيفًا ليهلكنا». فغضب موسىَ من كلامهم ودعا الله وقال: «يا رب، من وقت أن بلغت الفرعون بأمرك، زاد في أذية شعبك. فمنذ أن ذهبت لفرعون لأبلغه رسالتك، زاد في ظلمه عليهم وأنت لم تتدخل لتخلصهم. لماذا يا رب أرسلتني للفرعون من البداية؟»
6
وعد الله لموسَى
فقال الله لموسىَ: «لا تحزن يا موسىَ، سترَى ما الذي سأفعله بفرعون، وبيد قدرتي سأجعله يخرجهم من أرضه. أنا هو الله، الذي تجليت لآبائك إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وكشفت لهم عن قدرتي لكن لم أكشف لهم عن أسمي الأعظم. وأنا وعدتهم وعاهدتهم بأن أهبهم أرض كنعان التي كانت فيها غُربتهم. وقد سمعت صرخات شعبي الذي يستعبده الفرعون وسأحفظ عهدي معهم. يا موسى، بلغ بني إسرائيل برسالتي: أنا هو الله وسأرفع يد قدرتي على فرعون، وأحرركم من العبودية. وسأصطفيكم وأكون إلهكم. وستعلمون أني أنا الله القدير الذي من العبودية أخرجكم. وأدخلكم الأرض التي وعدت بها آبائكم إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وأورثها لكم. أنا هو الله». فبلغ موسى بني إسرائيل برسالة الله، لكنهم رفضوا أن يسمعوا له بعد أن ضاقوا من شدة سخرتهم. فقال الله لموسى: «يا موسى، أرجع إلى فرعون وقل له: أترك شعبي يخرج من أرضك». لكن موسى قال: «يا رب، أنا ثقيل اللسان ولست فصيحًا في الكلام. فإن كان بني إسرائيل رفضوا أن يسمعوا لي، فكيف للفرعون أن يسمعني؟»
7
هارون وزيرًا لموسَى
فقال الله لموسى: «يا موسى، سأجعل أخوك هارون يتكلم نيابة عنك. أنا أبلغك رسالتي، وأنت تبلغها لأخوك، وهارون سيتكلم مع الفرعون على لسانك، كما نبي يبلغ رسالتي. فبلغ هارون بكل ما أمرتك، وهو سيقول للفرعون: أترك شعبي يخرج من أرضك. لكن أنا سأقسي قلب الفرعون، وبالرغم من كل الآيات التي أفعلها في مصر، إلا أنه سيستكبر ولن يسمع لكما. فأرفع يدي بالعقاب على أرض مصر وأخرج شعبي من مصر بيد قدرتي. وحين يحدث هذا، سيعرف الفرعون أني أنا الله القدير». ففعل موسى وهارون كما أمر الله. وكان عمر موسى ثمانين سنة وعمر هارون ثلاثة وثمانين سنة، حين ذهبا ليبلغا رسالة الله للفرعون. وبعدها أوحىَ الله لموسَى: «يا موسى، حين يطلب منك الفرعون أن تفعل معجزة، قل لهارون أن يرمي العصا أمامه، فتتحول العصا ثعبان». فدخل موسَى وهارون إلَى فرعون وفعلا كما أمر الله. فألقَى هارون العصا أمام فرعون وحاشيته فتحولت العصا ثعبان. فجمع فرعون السحرة وحكماءِه المقربين. ففعلوا كما فعل موسى وجاؤوا بسحر عظيم. فالقى كل واحد من سحرة فرعون عصاه، فصارت عصيهم ثعابين، لكن عصا موسى ابتلعت عصيهم أجمعين. وبالرغم من أن فرعون رأى هذه المعجزة، إلا أنه رفض وأستكبر كما قال الله لموسى.
الضربة الأولى - ماء نهر النيل يتحول دم
فأوحىَ الله إلى موسىَ: «يا موسى، قد قسىَ قلب فرعون ولم يطلق بني إسرائيل. في الصباح خذ عصاك التي تحولت ثعبان، وتقابل الفرعون عند ضفة النهر وتقول له: "سيضرب الله ماء نهر النيل فيتحول إلى دم". وفي اليوم التالي، ذهب موسى وهارون إلى فرعون وقالا له: ‹الله قد أرسلنا إليك، وهو يقول لك: "أطلق بني إسرائيل يخرجوا ليتعبدوا لي في البرية". لكنك يا فرعون حتى الآن تستكبر وترفض أن تخرجهم. لذلك، سيضرب الله ماء نهرِ النيل فيتحول ماء النهر إلَى دم. فيهلك السمك، وينتن الماء، فلا يستطيع أحد منكم أن يشرب منه. وبهذا تعرف أن الله هو القدير. بعدها قال الله لموسىَ: ‹يا موسى، قل لهارون أن يأخذ العصا ويبسطها على النهر فيتحول كل الماء دماً في أرض المصريين.›» ففعل موسَى وهارون كما أمرهما الله. فرفع هارون العصا وضرب بها ماء نهرِ النيل أمام فرعون وحاشيته، فتحولت مياه النيلِ إلَى دم. فهلكت الأسماك، وأنتنت رائحة ماء النيل. وكان دم في كل مياه مصر، فلم يستطع أن يشرب منه المصريون. وبدأ المصريون في حفر الآبار حول نهر النيل ليشربوا منها. لكن سحرة فرعون قاموا أيضًا وحولوا الماء دمًا أمام الفرعون، فقسَى قلب الفرعون ولم يطلق بني إسرائيل.
8
الضربة الثانية - الضفادع
وبعد سبعة أيام من تحول ماء نهر النيل إلى دم، قال الله لموسىَ: «يا موسىَ، اذهب إلَى فرعون وبلغه رسالتي.» فذهب موسى إلى فرعون وقال له: «يا فرعون، هذا أمر من الله: ‹أطلق بني إسرائيل يخرجوا ليتعبدوا لي في البرية.› وإن استكبرت ورفضت أن تطلقهم ، سيضرب الله بِالضفادع كل أرضك. فيفيض نهر النيل بالضفادع، وستملأ الضفادع قصرك وتدخل في فراشك الذي في غرفة نومك، وفي بيوت حاشيتك وكل أرضك.» ثم قال موسى لهارون: «يا هارون، أبسط يدك بالعصا على نهر النيل، فتفيض المياه بالضفادع وتغطي أرض مصر كلها.» ففعل هارون كما أمره الله وبسط يده على نهر النيل، ففاض النهر بالضفادع وغطت أرض مصر كلها. وأخرج سحرة فرعون الضفادع من المياه كما فعل موسى وهارون. فاستدعَى فرعون موسَى وهارون وقال لهما: «توسلا إلى إلهكما حتى يرفع الضفادع عني وعن شعبي، وأنا سأطلق بني إسرائيل يخرجوا ليتعبدوا ويقدموا الأضاحي كما تطلبون.» فخرج من عنده موسَى وهارون، وتضرعا إلى الله حتى يرفع ضربة الضفادع عن فرعون. فاستجاب الله لهما، فماتت الضفادع. فجمع الناس الضفادع الميته في كومات كبيرة حتى أنتنت الأرض من رائحتهِا. لكن فرعون حين زال عنه البلاء، قسَى قلبِه كما قال الله ولم يُطلق بني إسرائيل.
الضربة الثالثة - القمل
وبعدها قالَ اللهُ لموسَى: «يا موسى قل لهارون: ‹أضرب بالعصا على الأرض فيتحول التراب قملاً في كل أرض مصر.›» ففعل موسى وهارون كما أمر الله. وضرب هارون بالعصا على الأرض، فتحول التراب قَملاً في كل أرض مصر وأنتشر في الناس والأنعام. ولما حاول سحرة فرعون أن يخرجوا القمل بسحرهم، لم يفلحوا، واعترفوا وقالوا لفرعون: «هذه يد قدرة إلهية.» لكن قلب فرعون قسَى كما قال الله ولم يُطلق بني إسرائيل.
الضربة الرابعة - الذباب
وبعدها قال الله لموسىَ: «يا موسى، اذهب وقابل فرعون في الصباح وقل له: ‹هذا أمر من الله: أطلق بني إسرائيل يخرجوا ليتعبدوا لي في البرية. وإن رفضت أن تطلقهم واستكبرت، أرسلت الذباب عليك وعلَى شعبك، فتعرف أني أنا الله القدير.›» وفي اليوم التالي، فعل موسى كما أمر الله، فملأ الذباب كل أرض مصر، لكن الذباب لم ينزل على منطقة جاسان حيث يقيم بني إسرائيل. فاستدعى الفرعون موسى وهارون وقال لهما: «أخرجوا لتتعبدوا في الصحراء كما تريدون، لكن دون أن تبتعدوا.» لكن فرعون حين زال عنه البلاء، قسىَ قلبه كما قال الله ولم يُطلق بني إسرائيل.
9
الضربة الخامسة - هلاك المواشي
بعد ذلك، قال الله لموسىَ: «يا موسىَ، اذهب إلَى فرعون وبلغه رسالتي.» فذهب موسى إلى فرعون وقال له: «يا فرعون، ده أمر من الله: ‹أطلِق بني إسرائيل يخرجوا ليتعبدوا لي في البرية.› وإن استكبرت ورفضت أن تطلقهم، فإن يد الله ستضرب مواشيك بالوباء، فتهلك كلها. لكن الله سيحفظ مواشي بني إسرائيل فلا تهلك رأس واحدة منها.» ففعل موسى كما قال الله. لكن قلب فرعون قسىَ ورفض خروج بني إسرائيل.
الضربة السادسة - الدمامل والبثور
بعد ذلك قال الله لموسىَ وهارون: «خذا بأيديكما حفنة من رماد الفرن. ثم تنثرها أنت يا موسىَ في الهواء عالياً - على مشهد من فرعون. فيصير الرماد غُباراً على كل أرض مصر، فيصاب كل الناس والحيوان بالبثورِ.» ففعل موسى وهارون كما أمر الله. فامتلأت أجسام الناس والحيوان بالبثور. لكن الله قسى قلب فرعون فرفض خروج بني إسرئيل.
الضربة السابعة - البرد
بعد ذلك قال الله لموسىَ: «يا موسى، أذهب إلى فرعون في الصباح وقل له: هذا أمر من الله ‹أطلق بني إسرائيل يخرجوا ليتعبدوا لي في البرية. يا فرعون، لو شئت لكنت أهلكتك من زمن أنت وشعبك. لكني أبقيت عليك لترىَ آيات قدرتي. فيعرف كل الناس في الأرض أني أنا هو الله. ولأنك أستكبرت ورفضت أن تُطلق شعبي، غدًا في مثل هذا الوقت سأنزل عليكم من السماء ثلج وبرد عظيم لم تشهد مثله مصر منذ يوم نشأتها. فاجمعوا مواشيكم وكل ما لكم من الحقول وفي مكان آمن احفظوها. وكل ما سيبقى في الخارج من إنسان أو حيوانات فإن البرد سيهلكها.›» فخاف بعض حاشية فرعون من كلام الله، فجمعوا عبيدهم ومواشيهم وأدخلوهم في مكان آمن. وأما مَن لم يصدق كلمة الله فقد تركَ عبيده ومواشيه في الخارج. فقال الله لموسىَ: «يا موسى، مد يدك بعصاك وإلى السماء أرفعها، فينزل من السماء برد يضرب الناس والحيوان والنبات فِي أرض مصر كلها.» فمد موسى يده ورفع عصاه نحو السماء، فنزل من السماء رعداً وبرقاً وبرداً لم تشهده أرض مصر منذ نشأتها. فنزل البرد على الحقول، فهلك كل ما بقيَّ في الخارج مِن الناسِ والحيواناتِ. لكن البرد لم ينزل على أرض جاسان في شرق دلتا النيل، حيث كان يسكن بني إسرائيل. فاستدعىَ فرعون موسىَ وهارون وقال لهما: «هذه المرة أنا أذنبت. إلهكم على حق، وأنا وشعبي مخطئين. لا نتحمل البرد والثلج أكثر من ذلك، فتوسلا لإلهكما ليرفع عنا البرد. يمكنكم أن تخرجوا من مصر وأنا لن أمنعكم.» فقالَ موسَى لفرعون: «حين أخرج من المدينة سأتوسل إلى الله، فيرفع عنكم البرد، حتى تعرف أن الأرض ملكاً لله. لكني أعلم أنه لا أنت ولا حاشيتك تخشون الله حقًا.» فخرج موسَى وهارون من عند فرعون. واستجاب الله لدعاء موسى، ورفع ضربة البرد عن أرض مصر. لكن فرعون حين زال عنه البلاء قسىَ قلبه كما قال الله ورفض خروج بني إسرائيل.
10
الضربة الثامنة - الجراد
بعد ذلك، قال الله لموسىَ: «يا موسىَ، اذهب إلَى فرعون وقُل له إن لم تترك شعبي يخرج ليعبدني في البرية، فأني مرسل عليك الجراد غدًا» فذهب موسى إلى فرعون وبلغه برسالة الله. لكن فرعون استكبر ورفض خروج بني إسرائيل. فأرسل الله الجراد على أرض مصر كما قال. فأفسد الجراد في كل أرض مصر وقضى على الأخضر واليابس. فاستدعى فرعون موسى وهارون وقال لهما: «يا موسى وهارون، أنا أذنبت في حقكما وحق إلهكما. والآن أعفيا عن ذنبي مرة أخرى، وتوسلا إلى الله حتى يرفع عنا هذه الضربات المُهلكه» فدعَا موسى الله. فسخر الله ريحاً عكسية غربية قوية، حملت الجراد وألقته في البحر الأحمر، فلم تتبقَى جرادة واحدة في كل أرض مصر. لكن الله قسَى قلب فرعون فأستكبر ورفض خروج بني إسرائيل.
الضربة التاسعة - الظلام
بعدها قال الله لموسَى: «يا موسى، مد يدك نحو السماء فينزل على أرض مصر ظلام معتم ثقيل.» فمد موسَى يده نحو السماء، فنزل على أرض مصر ظلام حالك مدة ثلاثة أيام. فلم يقدر أحد أن يخرج من بيته ولا حتى أن يرى يده من شدة الظلام. لكن الشمس كانت تشرق في منطقة جاسان حيث يسكن بني إسرائيل. فاستدعَى فرعون موسَى وقال له: «يا موسى، اذهبوا وتعبدوا لإلهكم، ويمكن لأولادكم أن يذهبوا معكم. لكن أتركوا هنا مواشيكم وأغنامكم.» فقال موسَى لفرعون: «يا فرعون، لا. لابد لنا أن نأخذ معنا مواشينا وأغنامنا، فنحن لا نعلم أي أضحية سنقدمها لإلَهِنا.» لكن الله قسَى قلب فرعون فاستكبر ورفض خروج بني إسرائيل. وقال فرعون لموسَى: «أذهب عني يا موسىَ! أخرج ولا تدعني أرى وجهك. فلو رجعت هنا مرة أخرىَ سيكون فيها موتك.» فقال موسَى لفرعون: «ليكن كما قلت، فلن تراني مرة أخرىَ.»
11
الضربة العاشرة - الموت
وبعد ذلك، قال الله لموسى: «يا موسى، بضربة قاصمة سأقضي على فرعون وقومه، وبعدها سيترككم تخرجون. حين ينتصف الليل، سيمر ملك الموت في أرض مصر، فيموت كل بكر من الناس والأنعام، وينتشر نواح عظيم بين المصريين. لكن لن يموت أحد من شعب بني إسرائيل، فبعد تلك الضربة يتوسل إليكم فرعون وقومه حتى تخرجوا من أرضه. يا موسى، قل لشعب بني إسرائيل أن يطلبوا من المصريين حُلي من ذهب وأواني فضة قبل أن يخرجوا». وعَظَمَ الله مقام موسى عند حاشية فرعون وكل الشعب، وجعل لبني إسرائيل نعمة في عيون المصريين.
12
عيد الفصح الأول لبني إسرائيل
بعد فترة قال الله لموسَى وهارون: «يا موسى وهارون، من الآن هذا الشهر يكون أول شهور السنة. لأن عند منتصف ليل اليومِ الرابعَ عشر من هذا الشهر سينزل ملك الموت ليضرب كل بكر من الناس والأنعام في أرض مصر. حينها سيترككم فرعون تخرجون». ثم جمع موسى بني إسرائيل وقال لهم: «يا بني إسرائيل، إن الله سينزل أخر ضرباته بفرعون وقومه. فملاك الموت سينزل ويمر في أرض مصر، فيميت بكر فرعون وكل بكر في مصر من الناس والأنعام. أسمعوا وأفعلوا كما أقول لكم، فيتجاوز عنكم ملك الموت ولا تموت أبكاركم. ففي اليوم العاشر من الشهر الأول، على كل رب أسرة أن يختار بكر من الغنم لعائلته، وتحفظوه إلى اليومِ الرابع عشر. وفي مساء ذلك اليوم تذبحوه. وبكر الغنم يكون ذكراً عمره سنة صحيحاً بلا عيوب. 4وإن كانت عائلة صغيرة، فليشترك هو وجاره في بكر غنم واحد، بحسب عدد أفراد العائلتين. وحين تذبحوا بكر الغنم، تأخذوا من دمه وتدهنوا به على قوائم أبواب بيتوكم التي تأكلوه فيها. فحين ينزل ملك الموت يرى الدم على أبواب بيوتكم فيتجاوز عنكم ولا تموت أبكاركم. فيكون هذا اليوم عيدًا لكم تحتفلون به على مر أجيالكم.» وحين سمع بني إسرائيل ما قاله الله لموسىَ، سجدوا لله وفعلوا كما قال موسىَ لهم. وعند منتصف الليله الرابعة عشر من الشهر، نزل ملك الموت وضرب كل بكر في أرض مصر، من بكر فرعون الجالسِ على عرشه، إلَى أبكار العبيد والمساجين. في تلك الليلة قام فرعون وقومه على نواح عظيم. ولم يبقى بيت واحد في مصر إلا وفيه ميت. فاستدعَى فرعون موسَى وهارون وقال لهما: «قوموا واخرجوا من بيننا. اذهبوا وتعبدوا لإلهكم كما كنتم تطلبون. خذوا مواشيكم وأغنامكم كما طلبتم. اذهبوا، وَأطلبوا لي البركة من إلهكم.» وقبل أن يخرج بَني إسرائيل، جعل الله المصريين كرماء معهم. فحين طلب بني إسرائيل منهم ثيابًا وحُلي وأواني فضة وذهب كما قال لهم موسىَ، أعطاهم المصريون. وهكذا خرج بنو إسرائيل من رعمسيس في منطقة جاسان شرق دلتا النيل بعد أربع مئة وثلاثين سنة قضوها في أرض مصر. وكان عددهم حوالي 600,000 رجل غير النساء والأطفالِ.
13
عمود السحاب، وعمود النار
وحين أطلق فرعون بني إسرائيل، لم يرشدهم الله إلى الطريق الساحلي، بالرغم من أنه الطريق الأقرب لأرض فلسطين. لأن الله كان يعلم أنهم إن لاقوا هناك حرباً ومقاومة، سيعودون إلى مصر مرة أخرىَ. فحولهم الله إلى طريق الصحراء ناحية البحر الأحمر. وكان بنو إسرائيل متجهزين للحرب حين خرجوا من مصر. وأخذ موسىَ معه رُفات النبي يوسف، حسب وصيته التي قال فيها: "حين يخرجكم الله من مصر خذوا عظامي معكم". فارتحَل بني إسرائيل من منطقة جاسان، ومشوا في أتجاه جنوب الشرق. ثم خيموا في قرية إيثامَ علىَ أطرافِ الصحراء شرق دلتا النيل. وكان الله معهم في النهار بعمود من سحابٍ يهدي طريقهم، وبالليل معهم في عمود نار ليُنير الظلام من حولهمِ. وهكذا قادهم الله في كل وقت بعمود السحاب نهاراً وعمود النار ليلاً.
14
بني إسرائيل، البحر أمامهم وفرعون من خلفهم
وفي قرية أيثام أوحىَ الله لموسىَ: «يا موسىَ، قُل لبني إسرائيل أن يرجعوا إلى جانب البحر ويخيموا هناك. فيظن فرعون أنكم خائفون من عبور الصحراء، وأنكم تائهون وتبحثون عن طريق آخر للخروج. وأنا سأقَسي قلب فرعون فيتبعكم. فأُظهِر آيات قدرتي في فرعون وجنوده، ويتمجد أسمي. فيعرفوا حقاً أنه لا إله إلا أنا.» ففعل بني إسرائيل كما أمرهم الله. وحين علم فرعون بأن بني إسرائيل أخيرًا خرجوا، قسَى قلبه فغير رأيه وقال لحاشيته: «أنظروا ما الذي فعلنا! تركناهم يخرجوا ولم يعودوا عبيدًا لدينا.» فَأمر فرعون بتجهيز عربته وجمع جيشه. وأمر فرعون قادته المسئولين عن ست مئة من أفضل عربات الحرب وكل عربات الحرب الأخرى بمطاردة بني إسرائيل. فطارد فرعون وجنوده بني إسرائيل، ولحقوا بهم وهم مخيمون بجانب البحر. وحين رأى بني إسرائيل فرعون وجنوده قادمون عليهم، خافوا وتوسلوا إلى الله لينقذهم. ثم أشتكوا على موسىَ وقالوا: «يا موسى، هل لا يوجد مكان في أرض مصر لتدفننا، فجئت بنا لتدفننا في الصحراء هنا؟ لماذا أذن من مصر أخرجتنا؟ ألم نقول لك حين كنا في مصر أن تدعنا وشأننا؟ العبودية في مصر كانت خير لنا من أن نموت في الصحراء هنا.» فقال موسىَ لبني إسرائيل: «لا تخافوا! تشجعوا وسترون الله اليوم يخلصكم، ولن تروا جنود فرعون مرة أخرىَ. الله سيحارب عنكم، وأنتم فقط تشهدون.» فأوحى الله لموسىَ: «يا موسى، قل لبني إسرائيل، توقفوا عن صراخكم وتقدموا في طريقكم. يا موسى، أرفع عصاك ومدها فوق البحر. فينشق الماء ويكون طريق جاف يعبر عليه بني إسرائيل. وأنا سأقسي قلوب جنود فرعون فيستمروا في مطاردتكم. وسيتمجد أسمي بما جرىَ على فرعون وعرباته وفرسانه. فيعرف كل الناس بالحق أنه لا إله إلا أنا.» وكان ملاك الله طوال الوقت يسير أمام بني إسرائيل في عمود السحاب، لكنه الآن تحول ليكون خلفهم. وأضاء عمود السحاب مخيم بني إسرائيل. لكن كان ظلام على جنود الفرعون، فلم يقدروا أن يقتربوا من بني إسرائيل. ومد موسىَ يده ورفع عصاه على البحر، فسخر الله ريحاً شرقية شديدة طوال الليل، شقت البحر وظهرت الأرض اليابسة. فمشى بني إسرائيل على الأرض اليابسة، ومياه البحر كالسور على الجانبين. وبينما كان بني إسرائيل يعبرون البحر، تبعهم جنود فرعون بعرباتهم، ودخلوا في البحر ليطاردوا بني إسرائيل. وقبل طلوع النهار، نظر ملاك الله من سحابة النار بعين الغضب على جنود فرعون، فأنزل الخوف في قلوبهم. وتعطلت عجلات عربات جنود فرعون، فلم يستطيعوا أن يتحكموا فيها. فقال جنود فرعون: «دعونا نترك بني إسرائيل وشأنهم، فإن الله يحاربنا معهم.»
غرق المطاردين
وأوحى الله لموسَى: «يا موسى، مد يدك على البحر، فينضم ماء البحر على جنود فرعون وعرباته وفرسانه.» فمد موسَى يده على البحرِ. وعند طلوع النهار أندفعت المياه نحو جنود فرعون، فحاولوا الهروب لكن الله أغرقهم. فغمرت المياه كل جنود فرعون وعرباتهم الذين تبعوا بني إسرائيل، فهلكوا كلهم ولم ينجو منهم أحدًا. أما بني إسرائيل فأكملوا عبورهم على اليابس من البحر، وماء البحر كالجدار عن يمينهم وعن شمالهم. في ذلك اليوم نجى الله بني إسرائيل، وشهدوا جنود فرعون على ساحل البحر ميتين. وبعدما شهد بني إسرائيل يد قدرة الله التي رفعها على جنود فرعون، خشوا الله ووثقوا برسوله موسىَ.
15
تسبيح النبي موسىَ بعد عبور بني إسرائيل البحر الأحمر
ثم سبح النبي موسىَ مع بني إسرائيل لله وقال:
«أسبح لله الذي مجد بالنصر أسمهُ،
في البحر ألقىَ بالفرس وراكبِه.
يا رب أنت قوتي ومتراسي.
لك الفضل وحدك في خلاصي.
أسبح بأسمك يا إلهي،
وأمجدك يا ربي ورب أبائي.
الله يحارب عنا،
واسم إلهي هو المولىَ.
هو من القىَ بمركبات فرعون وجنوده في اليم،
وهو مَن أغرق نخبة جيشهِ في البحر الأحمر.
لجج البحر غمرتهم،
وكالحجارة غرقوا في سقطتهِم.
المجد يا رب في قوة يدك،
يا مَن بقوة يدك سحقت عدوك.
قهرت من تكبر بعظمة قوتك،
وأحرقتهم كالهشيم بسخطتك.
سخرت الريح فأنشق البحر على الجانبين،
وانتصبت لُجج البحر كالجدار يساراً ويمين.
«قال العدو: ‹أطاردهم وأُدركهم فأُهلكهم،
وأقتسم وأشبع مما أغنم منهم،
أستل سيفي عليهم وبيدي أمحيَهم.›
لكنك يا رب سخرت الريح على اليم فغشيهم،
فغاصوا إلى القاع والبحر أبتلعهم.
سبحانك يا رب ليس كمثلك شيء في عظمتك،
ومن يشبهك في جلال قداستك!
يا من تجلت في الكون عجائب قدرتك.
حين رفعت يدك عليهُم،
أنشق البحر وأبتلعهم.
صدقت وعدك وفديت شعبك،
وبقدرتك هديتنا لمحضر قدسك.
ارتَعَبَت الأمم حين سمعت،
وأرض كنعان بالفزع إمتلئت.
رؤساء أدوم مرعوبون،
وقادة موآب يرتعشون،
وسكان كنعان من الخوف يذوبون. ألقيت الرعب في قلوبهم،
وتجلت قدرتك أمام عيونهم.
فوقفوا كالحجارة في مكانهم،
فعبر شعبك الذي فديته أمامهم.
أخرجت شعبك وهديتهم إلى جبل قدسك،
ليبنوا بيتك ويتعبدوا في حرمك.
سبحانك يا رب أنت الحكم وإلى الأبد يمتد ملكك.»
ثم قامت مريم أخت موسىَ وهارون، وأمسكت بالدُّف في يدها، فقامت النساء أيضًا بالدفوف تغني خلفها. فأنشدت مريم وقالت:
«سبحوا لله الذي مجد بالنصر أسمه،
في البحر ألقىَ بالفرس وراكبه.
موسى يجعل ماء مارة عذبًا ليسقي بني إسرائيل
وبعد أن عبر بني إسرئيل البحر الأحمر، قادهم موسى وسار بهم في صحراء سيناء مدة ثلاثة أيام دون أن يجدوا مياه يشربوها. وحين وصلوا إلى واحة مارَّة، وجدوا عين ماء لكنهم وجدوه مُرّاً فلم يستطيعوا الشُرب منها. وهذا سبب تسميه المكان بأسم مارة. فألقى بني إسرائيل باللوم على موسى وقالوا له: «يا موسى، ماذا سنشرب؟» فأستغاث موسىَ بالله، فهداه الله إلى غصن شجرة. فأخذه موسىَ والقاه في المياه، فصار الماء عذباً. وهناك أنزل الله على بني إسرائيل بعض الفرائض والأحكام واختبر طاعتهم. وقالَ لهم: «أنا هو الشافي المُعافي وأنا هو المولى إلهكم. إن أنتم سمعتم وأطعتم ما أوصيتكم، وتمسكتم بما افرض عليكم، لم أعاقبكم بالأوبئة كما ضربت فرعون وقومه.» ثم وصل بعدها بني إسرائيل إلى منطقة إيليم، وكان فيها اثنتا عشرة عين ماء وسبعين نخلة. فنصبوا بجوار الماء خيامهم.
16
خبز السماء
وفي اليوم الخامس عشر من الشهر الثاني بعد الخروج من مصر، رحل بني إسرائيل من منطقة إيلِيمَ، ومشوا في إتجاه جنوب صحراء سيناء ناحية الجبل الذي ظهر فيه الله لموسى. وبينما هم في الصحراء ألقىَ بني إسرائيل باللوم مرة أخرىَ على موسى وهارون. وقالوا لهما: «كان أفضل لنا لو أن الله أماتنا في مصر. على الأقل كان يمكننا أن نجلس ونأكل من الخبز واللحم حتىَ نشبع. لكنكما جئتما بنا إلى هنا لنموت من الجوع في الصحراء.» فقال موسىَ لبني إسرائيل: «يا بني إسرائيل، قد سمع الله تذمركم، وانه سيرسل عليكم خبزًا كالمطر من السماء. وعليكم أن تجمعوا كل يوم ما يكفي فقط قوت يومكم، ولا تبقوا منه شيئًا للغد لديكم. وفي اليوم السادس من كل أسبوع تجمعوا طعام يومين، لأن اليوم السابع جعله الله يومًا للراحة، ولن ينزل الله فيه خبزًا عليكم.» وفي صباح اليوم التالي رأى بني إسرائيل على الأرض طبقة رقيقة مثل القشر. فلم يعرفوا ما هو وتسائلوا: «من هو؟» فقال موسى: «هذا هو الخبز الذي نَزَل الله عليكم ليكون طعامكم. أجمعوا منه فقط ما يكفي قوت يومكم.» لكن بعض الناس خالفوا ما أمرهم الله به، وحفظوا لديهم بقايا منه لليوم التالي. فتعفن وتولد فيه الدود وأنتنت رائحته. لكن الخبز الذي كانوا يجمعون في اليوم السادس لم يكن يتعفن في اليوم التالي. بعد ذلك عصوا ما أمرهم به الله مرة أخرىَ و خرج بعض من بني إسرائيل في يوم السبت ليجمعوا الطعام، فلم يجدوا من المَن شيئاً. فأوحى الله إلىَ موسَى: «يا موسىَ، إلى متىَ تعصون وصيتي ولا تحفظون شريعتي؟ أنا هو الله الذي فرض عليكم السبت، وأنا مَن أوفر لكم في اليوم السادس طعام يومين. وفي اليوم السابع لا تعملوا وارتاحوا في بيوتكم.» فَحفظ بني إسرائيل اليوم السابع يوماً للراحة لا يعملون فيه. وقالَ الله لموسَى: «يا موسى احتفظ بملءِ سلة من المَنِّ لتراها أجيال بني إسرائيل في المستقبل، لكي يشهدوا الخبز الذي نزلته عليكم في الصحراء، حين أخرجتكم من أرض مصر.›» ففعل موسىَ كما أمره الله. وأكلَ بنو إسرائيل المَنَّ مدة أربعين سنة، حتى وصلوا إلى أرض عامرة بالسكان، على حدود أرض كنعان.
17
موسَى يضرب الحجر ليسقي بني إسرائيل
واستمر بني إسرائيل في التنقل من مكان لمكان في الصحراء، كما قال الله لهم. ولما وصلوا منطقة رفيديم ونصبوا خيامهم، لم يجدوا ماء ليشرب الناس. فتذمر بني إسرائيل وألقوا باللوم على موسىَ وقالوا: «سنموت من العطش نحن وأولادنَا وماشيتَنا. أعطونا الماء لنشرب!» فقال لهم موسىَ: «لماذا تلوموني أنا، وتشككوا في قدرة الله؟» فدعَى موسَى الله وقال: «يا رب، ماذا أفعل مع هؤلاء القوم؟ فهم على وشك أن يرجمونِي.» فقال الله لموسى: «يا موسى، خذ معك بعض من شيوخ بني إسرائيل وأمشي أمام الشعب. وخذ عصاك التي ضربت بها نهر النيل، واذهب إلى الصخرة التي في جبل سيناء وأنا سأكون معك. واضرب بعصاك الحجر فيخرج منه الماء ليشرب الناس.» ففعل موسىَ كما أمره الله وسقى كل بني إسرائيل. وسمىَ موسىَ المكان باسمين مَسَّة ومَرِيبَة «معنى الأسم الأول التجربة، والثاني يعني الشكوىَ» لأنهم أرتابوا وقالوا: «هل الله موجود معنا حقًا؟»
حرب بني إسرائيل مع قبيلة العماليق الكنعانيين.
وبعد فترة حين كان بني إسرائيل يخيمون في منطقة رفيديم، خرجت عليهم قبيلة العماليق الكنعانيين. فقال موسَى لمساعده يشوع بن نون: «يا يشوع، اختار مجموعة من رجالنا، واخرجوا غدًا لحرب قبيلة عماليق. وأنا سأقف على التل وعصا قدرة الله في يدي.» ففعل يشوع بن نون كما أمره موسَى، فخرج ومعه رجال من بني إسرائيل لحرب قبيلة عماليق. أما موسىَ وأخوه هارون وحُور مساعد موسىَ فكانوا يقفون على قمة التل. ودارت الحرب، وطالما كان موسىَ رافعاً يَدَهُ بعصاه، كانت الغَلَبة لبني إسرائيل. وحين كلت يدا موسَى وأنزلها غلب العماليق، فأخذ هارون وحور حجراً ليجلس عليه موسىَ، وأمسك هارون ذراع موسَى اليمين ورفعها ورفع حور ذراع موسى اليسار. فظلت يدا موسى مرفوعة إلى غروب الشمس. وهكذا انتصر يشوع بن نون على قبيلة العماليق. وبعد الحرب قال الله لموسَى: «يا موسىَ، سجل حدث النصر هذا وبلغه ليشوع بن نون، وأنا سأمحو ذكر العماليق إلى لأبد». وبنىَ موسَى مكاناً لتقديم الآضاحي لله، وسماه «الله راية نصري.» وقالَ: «سيحارب الله العماليق من جيل إلى جيل.»
18
شعيب يزور موسى
ولما وصل بني إسرائيل بالقرب من جبل سيناء، أرسل شعيب حَمُو موسَى وكاهن مديان رسالة لموسى قال له فيها: «يا موسى، زوجتك وولداك الذين أرسلتهم لي وصلوا عندي، وأنا قادم إليك في الطريق وهم معي.» ولما وصلوا خرج موسىَ للقائهم ورحب بهم، وانحنى لحماه شعيب وقَبَّله، وأدخلهم موسىَ في الخيمة كلهم. وحكىَ موسىَ لشعيب ما فعله الله بفرعون وقومه ليُطلق بني إسرائيل، وحكىَ له عن المتاعب التي واجهوها في الطريق، وكيف خلصهم الله من كل تلك المتاعب. فابتهج شعيب حين سمع من موسىَ بكل الفضل الذي فعله الله من أجل بني إسرائيل. وقال: «تبارَك الله الذي نجاكم بقدرته من أيدي فرعون مصر. الآن بالحق أعلم أن الله ليس كمثله شيء بين آلهة الآخرين، لأنه خلص بني إسرائيل من يد أعداءهم المتكبرين.» ثم قام شعيب وقدم أضحية تقرباً لله، وأكل مع موسى وهارون وكل شيوخ بني إسرائيل في مكان الآضحية التي قدمها.
نصيحة شعيب لموسى
وفي صباح اليوم التالي، جلس موسَى ليحكم في أمور بني إسرائيل، والشعب ينتظر موسَى من الصباحِ إلى المساء. وحين رأى شعيب ما يفعله موسىَ قال له: «يا موسى، لماذا تجلس وحدك للقضاء؟ لماذا تجعل الشعب ينتظر من حولك من الصباح للمساء؟» فَقالَ مُوسَى لشعيب: «يا عمي، لإنهم يأتون إلَيَّ ليعرفوا ما يريده الله منهم. وحين يختلفون أو يتنازعون، يأتون إلَيَّ وأنا أحكم بينهم.» فقال شعيب لموسىَ: «يا موسى، لكن هذه ليست الطريقة الأفضل لك وللناس. فهذه الطريقة إجهاد فوق طاقة الشعب وطاقتك. ولن تستطيع الإستمرار في القيام به وحدك. سيهديك الله إن أتبعت نصيحتي. أنت مَن يتشفع لبني إسرائيل ويُكلم الله نيابة عنهم. أنت تعرفهم بشريعة الله وتعلمهم الفرائض وترشدهم في أمور حياتهم. يا موسىَ، أنت بحاجة إلى تعيين بعض القادة ممن يخشون الله ويكونوا أهل ثقة وأمناء لا يرتشون، فتجعلهم قضاة علَى الشعب وقادة ألوف ومئات وخماسين وعشرات. فيحكم هؤلاء القادة بين الشعب في الأمور الاعتيادية، ويرفعوا الأمور الصعبة إليك لتحكم فيها بنفسك، وبهذه الطريقة يشتركون معك في تحمل المسئولية. إن هكذا فعلت، يمكنك الاستمرار في تحمل المسئولية، ويرجع الناس إلى بيوتهم راضين.» ففعل موسى كما أشار عليه حماه شعيب. فانتقي موسىَ من قبائل بني إسرائيل رجالاً من أصحاب الكفاءات، وعينهم قادة ألوف ومئات وخماسين وعشرات. فكانوا يحكمون بأنفسهم في القضايا البسيطة، لكن القضايا الكبيرة فكانوا يرفعونها لموسى. وبعد أن أطمئن شعيب على موسى، ودعه ورجع إلى بلاده.
19
بني إسرائيل عند جبل سيناء
ورحل بَني إسرائيل من منطقة رفيديم واستمروا يمشون في صحراء سيناء. وبعد شهرين من خروجهم من مصر وصل بني إسرائيل إلى جبل سيناء حيث كلم الله موسَى أول مرة، ونصبوا خيامهم تحت الجبل. وصعد موسَى إلى الجبل ليكون في حضرة الله. فقال له الله: «يا موسَى، بلغ بني إسرائيل: ‹يا بني إسرائيل، قد شهدتم ما فعلته بفرعون وجنوده وتعرفون كيف جئت بكم إلَىَّ هنا كما تحمل النسورِ صغارها. فالآن إن أطعتم أمري وحفظتم عهدي، أصطفيتكم من بين كل أمم الأرض. فتكونون لي مملكة أحبارٍ وأمة صالحة. فأنا هو الله والأرض كلها ملكي. فاغسلوا ثيابكم وطهروا أنفسكم اليوم وغدَا، لأن في اليوم الثالث يحل مجد جلالي على الجبل وأنتم تنظرون. واحذروا أن تقتربوا من الجبل أو حتىَ تلمسوا طرفه. فاجعلوا لكم حدودًا لا تتعدوها وإلا هلكتم، وكل من يتعدىَ تلك الحدود لابد أن يموت رجمًا بالحجارة أو رميًا بالسهام، سواء كان حيوان أو إنسان. لكن حين تسمعوا صوت البوق، يمكنكم الصعود على الجبل في أمان.› يا موسىَ، سأحل على الجبل في سحاب كثيف، فيصدقك بني إسرائيل إلى الأبد ويثقوا في كلمتك.» فنزل موسَى من الجبل وبلغ بني إسرائيل بما قاله الله. وأمرهم بغسل ثيابهم وتطهير أنفسهم وألا يعاشروا نسائهم، وأن يستعدوا لليوم الثالث. ففعل بني إسرائيل كما قال موسى لهم.
حلول مجد الله على جبل سيناء
وفي صباحِ اليومِ الثالثِ، كان صوت البوق يدوي ورعد وبرق يضرب من السماء وتكاثف السحاب على جبل سيناء. فارتعدَ كل الشعب الذي أخرجهم موسى ليقفوا في حضرة الله تحت الجبل. وكان جبل سيناء مغطى بالدخان، لأن مجد الله تجلى عليه. فاهتز الجبل وتصاعد منه دخان كثيف. وأمر الله موسَى بأن يصعد إليه. وارتفع صوت البوق عاليًا. وحين كان موسىَ يتكلم، كان الله يجيبه بصوت كالرعد.
20
الوصايا العشر
وحين صعد موسىَ لقمة الجبل كما أمره الله، أعطاه الله الوصايا ليبلغها لبني إسرائيل وقال: «أنا هو إلهكم الأحد، الذي أخرجكم من أسر عبوديتكم في مصر. لا تشركوا بي آلهة آخرين. لا تصنعوا لأنفسكم أَصْنَامًا، تشبه شيئًا في الأرض ولا في السماء ولا تحت الماء. لا تسجدوا ولا تتعبدوا لأصنام، فأنا هو الله إلهكم ولي وحدي كل محبتكم. إن رفضتم محبتي أعاقبكم للجيل الرابع من أبنائكم. وإن قبلتم محبتي وأطعتم أمري، أوفي بوعدي وأرحمكم إلى ألف جيل من أجيالكم. لا تذكروا أسم إلهكم هُزُوًا. أنا هو الله وسأعاقب من ذكر بالباطل أسمي. أحفظوا يوم السبت يومًا للراحة مخصصًا لله، لأني خلقت السماوات والأرض في ستة أيام، واليوم السابع باركته وجعلته يومًا للراحة والعبادة. أحسنوا إلى آبائكم وأمهاتكم، فتطول آعماركم في الأرض التي أعطيت لكم. لا تقتلوا. لا تقربوا الزنا. لا تسرقوا. لا تشهدوا زورًا. لا تتحاسدوا، ولا تشتهوا شيئًا يملكه غيركم.
24
ختم الدم - بني إسرائيل يعاهدون الله
وبعد ما كلم الله موسى وأعطاه الوصايا والأحكام، نزل موسَى من على الجبل وبلغ بني إسرائيل بكل ما أمره به الله. فقال بني إسرائيل بِصوتٍ واحدٍ: «سنفعل كل ما أمرنا به الله». وكتب موسَى كل ما قاله الله. وفي صباح اليوم التالي، قام موسىَ وبنىَ مكانًا لتقديم الآضحية عند سفح الجبل، ونصب اثْنَيْ عَشرَ عموداً على عددِ أسباطِ بني إسرائيل. وكلف موسَى بعض شبان بني إسرائيل، بأن يذبحوا ثيران ويقدموها آضاحي تقربًا لله. وأن يأتوا له بدم الآضاحي. ففعلوا كما قال لهم موسى وجاؤوا له بالدم. فأخذها موسى ورش نصف الدم للطهارة على مكان تقديم الآضاحي. ثم قرأ موسَى ما كتبه من وصايا الله علَى بني إسرائيل، فقالوا: «سنطيع ونفعل كل ما أمرنا به الله». ثم أخذ موسَى بقية الدم الذي في الآواني ورشه علَى شعبِ بني إسرائيل وقال: «هذا الدم هو خاتم العهد الذي عاهدتم الله عليه في هذا الكلام.» ثم صعد موسَى الجبل مع أخيه هارون وأبنا هارون ناداب وأبيهو وسبعين من أحبار بني إسرائيل. وصعدوا حتى أقتربوا من محضر الله. وبالرغم من أنهم رأوا مجد الله، إلا أن الله لم يهلكهم.
موسى في حضرة الله على جبل سيناء
ثم قال الله لموسىَ: «يا موسَى، اصعد وحدك على قمة الجبلِ، وانتظر حتَى أعطيك الوصايا والشرائع التي نَحَتُها على لَوحَين من الحجرِ، لتعلمهَا لبني إسرائيل.» فأمر موسى أحبار بني إسرائيل بأن ينزلوا من على الجبل وينتظروا مع شعب بني إسرائيل، وأبقى معه فقط مساعده يشوع بن نون. ثم صعد موسى وحده لقمة الجبل الذي غطاه السحاب. ونزل مجد الله علَى جبلِ سِيناءَ، وغَطى السحاب الجبل طوال سِتةَ أيامٍ. وفي اليومِ السابعِ، نادىَ الله موسَى وأمره أن يدخل وسط السحاب. فدخل موسَى وبقي أربعينَ نهاراً وأربعينَ ليلةً في حضرة الله. وشَهد بنو إسرائيل مجد الله مثل قبس النار على جبل سيناء.
32
العجل الذهبي
وحين رأىَ بني إسرائيل أن غيبة موسَى قد طالت عليهم منذ أن صعد إلى الجبلِ، اجتمعوا على هارون وقالوا له: «يا هارون، قُم واصنع لنا إلهَ يحمينا ويهدينا في طريقِنا، لأننا لا نعلم ماذا حدث لموسى هذا الذي أخرجنا من أرض مصر.» فقال لهم هارون: «أنزعوا أقراطَ الذهبِ التي في آذانِ زوجاتِكُم وأبنائكم وأحضروها لي.» فنَزع بني إسرائيل أقراطَ الذهبِ من آذانِهم، وجاءوا بها إلى هارون. فأخذ هارون الذهب منهم، وصَهرَه وصنع لهم منه عجلاً مسبوكاً كما أرادوا وجاء به إليهم. فقال بني إسرائيل: «أنظروا يا بني إسرائيل، ها هو إلهكم الذي أخرجكم من أرض مصر.» وحين رأىَ هارون رد فعلهم، بنىَ أمام العجل مكاناً لتقديم القرابين، وقال: « يا بني إسرائيل، غداً سيكون عيداً لإلهكم.» فقام شعب بني إسرائيل في صباح اليوم التالي مبكراً، وقدموا ذبائح أمام العجلِ وأحرقوا القرابين. وبعد ذلك جلسوا يأكلوا ويشربوا ثم قاموا يلعبون ويمرحون. فقال الله لموسَى: «أسرع يا موسى هيا أنزِل. فأن شعبك الذي أخرجتَهُ مِن مصر، فقد فسقوا وصاروا فاسدين. ضلوا سريعًا عن الطريق الذي أمرتهم به، فقد صنعوا لأنفسهم صنمًا على صورة عجل وسجدوا له وقدموا له القرابين، وقالوا: ‹ها هو إلهنا الذي أخرجنا من أرض مصر.› يا موسَى، هذا الشعب متصلب الرقبة وقساة القلوب. والآن، دعني أنزل عليهم غضبي وأفنيهم. وبدلاً منهم، أجعل منك أنت أمة عظيمة.» فتوسل موسىَ لله وقال: «يا رب، كيف تٌنزل غضبك على شعبك الذي أخرجته من مصر بقوتك العظيمة ويد قدرتك؟ كيف تنزل غضبك على شعبك وتفنيهم؟ لو أهلكتم، سيقول الناس أن إله بني إسرائيل أخرج شعبه من مصر وجاء بهم في الصحراء هنا ليهلكهم. يا رب أنت وعدت عبيدك إبراهيم وإسحاق ويعقوب بأن تكثر نسلهم كنجوم السماء، ووهبت لهم هذه الأرض ليرثوها.›» فتقبل الله شفاعة موسى ولم ينزل عليهم غضبه كما توعدهم. وكان الله قد كتب الوصايا بأصبع قدرته على لوحي حجر من الناحيتين. ثم أعطاها لموسى في أخر يوم من الأربعين يومًا التي قضاها موسى في حضرة الله على قمة الجبل. ولما أنتهى موسى من تشفعه لبني إسرائيل، نزل من على الجبل ولوحي الوصايا في يده. وكان يشوع بن نون في إنتظار موسى على الجبل. وحين نزل إليه موسى قال له يشوع: «يا سيدي، أسمع صوت معركة تحت في المخيم». فقال له موسَى: «لا يا يشوع ليست معركة. ليسَ هذا بهتافِ انتصار ولا صراخِ إنكسار. هذا صوت رقص وغناء.» وحين أقترب موسىَ من المخيم ورأى العجل وحول منه الشعب يرقصون، أشتعل غضبه وألقَى اللوحين على الأرض وكسرهما عند سفح الجبل. ثم أخذ موسىَ العجل الذي صنعوه، وأحرقه بالنار ثم سحقه تمامًا ورشه في الماء، وأمر بني إسرائيل بأن يشربوه. ثم أمسك موسَى بهارون وقال له: «ياهارون، ماذا فعل بك هذا الشعب، حتى تجلب عليهم هذا الذنبَ العظيم؟» فقال هارون: «يا أخي، لا تغضب مني! فأنت تعرف أنهم شعب شرير ويميل للفساد. فقد جاؤوا وقالوا لي: ‹قُم واصنع لنا إلهَ يحمينا ويهدينا في طريقِنا، لأننا لا نعلم ماذا حدث لموسى هذا الذي أخرجنا من أرض مصر.› فقلت لهم أن ياتوني بالذهب الذي عندهم، فأعطوني ذهبهم. فألقيته في النار فخرج لهم هذا العجل.» ولما رأى موسَى أن هارون قد تهاون معهم ففسدوا وأفلت من يده زمامهم، حتى أن أعدائهم سخروا منهم. وقفَ في مدخلِ مخيم الشعب وقال: «يا بني إسرائيل، من كان منكم يعبد الله فليأت إليَّ.» فألتف حوله كل سبط اللاويين (من نسل لاوي بن النبي يعقوب، وأحد أسباط بني إسرائيل). فقال لهم موسى: «هذا ما يقولهُ إله بني إسرائيل: يا بني لاوي، فليمسك كل رجلٍ منكم سيفَهُ، وامشوا في المخيم واقتلوا الرجال الذين شاركوا في صناعة العجل، سواء كان أخ أو صديق أو جارًا لكم.» ففعل بني لاوي كما أمرهم موسَى. وهلك في ذلك اليوم نحو ثلاثةِ آلاف نفس من بني إسرائيل. فقال موسَى: «يا بني لاوي، قد سمعتم وأطعتم، ووهبتم لله أنفسكم، وضحيتم بأبنائكم وإخوتكم. لهذا فقد أنعم الله بالبركة عليكم، ومن اليوم أنتم مخصصين لخدمة الله في بني إسرائيل.» وفي اليومِ التالي، قالَ موسَى لبني إسرائيل: «يا بني إسرائيل، ما فعلتم كان ذنب عظيم. والآن، سأرجع إلى الجبل لأقف في حضرة الله لأتشفع لكم لعله يعفو عن خطيئتكم.» فرجع موسَى إلى الجبل ودعا الله وقال: «يا رب، قد أرتكب هذا الشعب ذنب عظيم. فقد صنعوا لهم من الذهب عجلاً ليكون إلهاً لهم. يا رب أن شئت فأغفر لهم خطيئتهم. وإن لم تغفر لهم، فامحي أسمي الذي ذكرته في كتابك.» فقال له الله: «يا موسَى، لا أمحو من كتابي إلا الظالمين. والآن، خذ بني إسرائيل واذهب إلى المكان الذي ذكرته لك، وها هو ملاكي سيسير أمامك ليهديك. لكن سيأتي يوم سيحاسب فيه هذا الشعب على خطاياهم.» بعدها ضرب الله بني إسرائيل بوباءٍ، عقابًا لهم على عبادة العجل الذي جعلوا هارون يصنعه لهم.
33
موسَى يرحل مع بني إسرائيل من جبل سيناء
ثم قال الله لموسىَ: «يا موسى، كما أخرجت بني إسرائيل من مصر، قم الآن وقودهم إلى الأرض التي وعدت بها آبائك إبراهيمَ وإسحاقَ ويعقوبَ. وأنا سأرسل ملاكًا أمامك ليطرد الأعداء من طريقك، لأني لن أكون بين بني إسرائيل. هذا شعب عصاة وفاسدين، فلو سأكون بينهم يمكن في الطريق أن أهلكهم». فقال موسىَ: «يا رب، إن كنت لن تكون معنا، فلا تخرجنا من هنا. يا رب، لن تعرف الأمم الأخرى أنك راضي عنا، إلا إذا كنت معنا. وهكذا تعلم جميع الأمم أننا شعبك حقًا» فقال الله لموسَى: «لك ما طلبت يا موسىَ، لأني رضيت عنك وبالحق أعرفك.» فقال موسىَ: «يا رب، دعني أنظر إلىَ جلالِ مجدِكَ». فقال الله: «يا موسىَ، مَن يراني يهلك، فلا طاقة لك أن تنظر إلى وجهي. لكن يا موسى، سأجعلك ترىَ مجد عظمتي، وتسمع القدوس أسمي. فأنا اللطيف، وعلى مَن أشاء أُنزل رحمتي. يا موسى، أنظر إلى تلك الصخرة فلستَ ببعيد عنها، أذهب وقف بجانبها. وأنا سأؤويك إلى شَقٍ في الصخر، فحين يعبر مجد جلالي أحجبك بيدي حتى أعبر عنها. ثم أرفع يدي، فتنظر قبساً من مجد جلالي خلفي. فلا ترىَ وجهي».
34
موسى يكتب الوصايا على الألواح
وحين كان موسى في المخيم مع بني إسرائيل، قال له الله: «يا موسىَ، انحت لوحين من الحجر على نفس هيئة اللوحين السابقين، وأنا سأكتب عليهما الوصايا التي كانت على اللوحين المكسورين. يا موسىَ، أعد نفسك وأصعد في الصباح على قمة جبل سيناء لتقف في حضرتي. وتكون وحدك، ولا يقترب من الجبل إنسان، حتى المواشي والأغنام لا ترعىَ على سفح الجبل، حين تصعد عندي.» فنحت موسىَ لوحين من الحجر مثل اللوحين السابقين. ثم بكر في صباح اليوم التالي وأخذ معه اللوحين، وصعد إلى جبل سيناء كما أمره الله. فنزل وحي الله في السحاب وحل حيث وقف موسىَ، ونادَى بالأسم الأعظم: «أنا هو الله» ثم عبر وحي الله في السحاب أمام موسىَ وقال: «أنا هو الله الإله الواحد. أوفي بالوعد، وأنا هو الودود الحليم. أحفظ عهدي مع شعبي وأعفو عنهم إلى ألف جيل من أجيالهم. لكني أيضًا أحاسب من تمرد منهم. ومن تمرد منهم أحسابهم حتى الجيل الثالث والرابع من نسلهم». فَخَرَ موسىَ على الأرض ساجداً لله. وقال: «يا رب، إن كنت رضيت عن عبدِك، فكن أنت من تسير معنا. بالحق هذا الشعب متصلب الرقبة وقساة القلوب، لكن يا رب اسئلك أن تعفو برحمتك عن ذنوبنا، وتقبلنا لنكون شعبك». فقال الله لموسىَ: «يا موسى، اليوم أقطع عهدًا معكم، وسأصنع أمام شعبك معجزات لم يشهدها أحد من أمم الأرض قبلكم. وسترىَ كل الأمم من حولك المعجزات التي أصنعها معك. فإن أطعتم وتمسكتم بما أمرتكم به اليوم، فسأطرد من أمامكم الأموريين والكنعانيين والحثيين والفرزيين والحويين واليبوسيين». وبعدما أتم الله عهده لموسى، قال له: «يا موسى، أكتب كلمات هذا العهد الذي قطعته معك أنت وبني إسرائيل.» فكتب موسى كلمات العهد وهي الوصايا العشر على اللوحين. وبَقيَّ موسىَ في حضرة الله على الجبل أربعينَ يوما وأربعينَ ليلةً بدون طعام ولا ماء. وحين نزل موسَى من على جبل سيناء ومعه لوحين الوصايا كان وجههُ يلمع، لأنه كان يتكلم مع الله. لكن موسى لم يكن يعلم أن وجهه يلمع. وحين رأىَ هارون وبني إسرائيل وجه موسىَ يلمع، خافوا من أن يقتربوا منه. فناداهم موسى وبلغهم بما أمره به الله على جبل سيناء. وحين أنتهى موسَى من كلامه إلى بني إسرائيل، غطىَ وجهه الذي كان يلمع بحجاب. وهكذا كل مرة يدخل موسَى في حضرة الله ليتكلم معه كان يرفع الحجاب، ثم يغطي وجهه مرة أخرىَ حين يخرج ليبلغ بني إسرائيل، لأن الناس كانت تخاف من لمعان وجهه.
40
خيمة العبادة المقدسة
ثم قال الله لموسَى: « يا موسَى بلغ بني إسرائيل: "يا بني إسرائيل، إن الله يأمركم بأن تقيموا خيمة مقدسة للعبادة تنقلوها معكم إينما رحلتم. وأن يقدم كل واحد منكم زكاة لله مما تجود به نفسه لتجهيز الخيمة. فتكونَ بيتًا لله بينكم وبيت عبادة متنقل معكم. وتصنعوا هذه الخيمة بالمواصفات التي حددها الله لكم.
فيكون طولها 45 قدم وعرضها 15 قدم وارتفاعها 15 قدم . وتقسموها إلى قسمين. القسم الأول يكون أسمه محراب قدس الأقداس ومساحته 15 قدم مربع، وتضعوا فيه تابوت العهد الذي طوله 4 أقدام وعرضه قدمين وارتفاعه قدمين. وتضعوا في التابوت ألواح الوصايا وبعض خبز المن الذي أنزله الله علينا من السماء. والقسم الثاني أسمه المحراب المقدس، طوله 30 قدمًا وعرضه 15 قدم. يكون فيه مائدة وعليها الخبز المقدم لله، ومصباح ومبخرة. وتجعلوا حجابًا بين القسمين. وتجعلوا ساحة حول خيمة العبادة المقدسة، طولها 150 قدم وعرضها 75 قدم. ويكون في هذه الساحة حوض ماء متنقل، وتقيموا أيضاً مكانًا لذبح الآضاحي.
يا موسَى، أحضر هارون وأبنائه الأربعة ناداب ابنه البكر، وأبيهو وأليعازار وإيثامار، وأجعلهم يغتسلوا بالماء. ثم تضع على هارون الثياب المُطهرة وتمسحه بالزيت الطاهر، ليكون حبرًا لبني إسرائيل ومسئولًا عن الخدمة في الخيمة المقدسة. ثم تلبس أولاد هارون ثيابهم. وبالزيت الطاهر تمسحهم، كما مسحت أبوهم هارون. ليكونوا أحبارًا لبني إسرائيل ومسئولين عن الخدمة في الخيمة المقدسة، لأني خصصتهم بمسحة الزيت ليكونوا في خدمتي على مر أجيالهم"»
وأتم بني إسرائيل صناعة خيمة العبادة المقدسة ووضعوا فيها تابوت العهد كما أمر الله موسى. وذلك في أول يوم من السنة الثانية بعد خروجهم من مصر.
حلول مجد الله في خيمة العبادة المقدسة
وبعدها حل مجد الله في سحابة نزلت على خيمة العبادة المقدسة وملأتها بالجلال والمجد، حتى أن موسىَ لم يقدر أن يدخل الخيمة لأن مجد الله كان يملأها. وبَقيَّ بني إسرائيل في سيناء إلى أن أرتفعت سحابة مجد الله عن الخيمة.
سفر اللاويين
1
شريعة الأضحية
وبعد أن أتم موسى وبني إسرائيل صناعة خيمة العبادة المقدسة، كلم الله موسى في الخيمة وأعطاه شرائع أضحية الشكر والكفارة عن ذنوب بني إسرائيل. وقال: مَن أراد منكم أن يقدم لي أضحية شكر أو كفارة عن ذنوبكم التي أرتكبتم سهوًا وعن غير عمد منكم، فيجب أن تكون الأضحية من البقر أو الغنم سليمة بلا عيب حتى أرضىَ عنها. ثم يأتي بها الشخص الذي يقدمها إلى خيمة العبادة المقدسة ويضع يده على رأسها ويذبحها. وهكذا تحمل الأضحية الذنب عن الشخص الذي قدمها. ثم يقدم لي هارون أو أحد الأحبار من أبناءه دم الذبيحة ويرشه على مكان تقديم الأضحية. ثم يسلخ الأضحية الشخص الذي قدمها ويقطعها لأجزاء، فيأخذ الحبر الأضحية ويحرقها. فلا مغفرة للذنوب بدون إراقة دماء الأضحية.
16
يوم كيبور - عيد الغفران
ثم قال موسى لأخيه هارون: "يا هارون، قد أمرني الله أن نحفظ يوم غفر الله لبني إسرائيل. ويكون يوم الغفران هذا في اليوم العاشر من الشهر السابع. في هذا اليوم تذبح عجلاً كفارة عن خطاياك وخطايا عائلتك أحبار بني إسرائيل. ثم تأخذ كبشين من الغنم وتقدمهما أضحية لله عند مدخل خيمة العبادة المقدسة. ثم تلقي قرعة على الكبشين. أحدهما يكون لله فتذبحه كفارة عن ذنوب بني إسرائيل. ثم تأخذ من دم الأضحية وترشه على مقدمة تابوت العهد وعلى الغطاء، حتى تطهر المحراب المقدس من شر وذنوب بني إسرائيل. أما الكبش الثاني فهو كبش فداء. فتضع يداك على رأسه وتعترف بكل معاصي بني إسرائيل وذنوبهم. ثم ترسله بعيدًا وتطلقه حيًا في البرية كفارة عن ذنوب بني إسرائيل. فيحمل هذا الكبش ذنوب بني إسرائيل بعيدًا عنهم. ويوم الغفران هذا تجعلوه فريضة، وعيدًا مرة في السنة لمغفرة ذنوبكم على مدىَ أجيالكم."
سفر العدد
1
الإحصاء الأول لعدد بني إسرائيل
وفي أول يوم من الشهر الأول في السنة الثانية بعد خروج بني إسرائيل من مصر، أتم موسى وبني إسرائيل صنع خيمة العبادة المقدسة حين كانوا في صحراء سيناء. وبعد شهر وفي اليوم الأول من الشهر الثاني كلم الله موسى في خيمة العبادة المقدسة، وقال له: «يا موسى، عليك أنت وهارون أن تحصوا عدد الرجال فوق سن العشرين من القادرين على القتال في كل قبائل بني إسرائيل الأثني عشر وسجلهم في الجيش بحسب بيوت آبائهم. وتأخذ رجل من كل قبيلة من قبائل بني إسرائيل الأثني عشر ليساعدك في الإحصاء ويكونوا هم القادة على قبائلهم. فقام موسى وهارون ومعهم الرجال الذين حددهم الله من قبائل بني إسرائيل بإحصاء عدد الرجال فوق سن العشرين من القادرين على القتال في قبائل بني إسرائيل، فكان مجموعهم ستمائة وثلاثة آلاف وخمسمائة وخمسين.
9
عيد الفصح في صحراء سيناء
وبعد أن أتم موسى وبني إسرائيل صناعة خيمة العبادة المقدسة في الشهر الأول من السنة الثانية بعد خروجهم من مصر، كلم الله موسى وقال له: «يا موسى، بلغ بني إسرائيل بأن يحتفلوا بعيد الفصح ما بين الغروب والعشاء في اليوم الرابع عشر من هذا الشهر. تحتفلوا به كلكم، حتى الغرباء المقيمين بينكم يمكنهم أن يحتفلوا بالفصح معكم، بحسب كل الشعائر والأحكام التي بلغتها لكم». ففعل بني إسرائيل كما أمر الله واحتفلوا بعيد الفصح في صحراء سيناء. لكن بعض الناس لم يحتفلوا بعيد الفصح بسبب عدم طهارتهم. فأمر الله أن يحتفل هؤلاء الناس بعيد الفصح بعدها بشهر حين يتطهروا.
10
بني إسرائيل يرحلون من صحراء سيناء
وفي اليوم العشرين من الشهر الثاني في السنة الثانية، ارتفعت سحابة المجد الإلهي عن خيمة العبادة المقدسة. فحل بني إسرائيل خيامهم ورحلوا من صحراء سيناء، ومشوا حسب ما وجههم الله. وحين رحلوا من جبل سيناء، مشوا ثلاثة أيام والأحبار من بني لاوي يحملون تابوت العهد حتى يرشدهم الله أين يقيموا مخيمهم. وبقيت سحابة المجد الإلهي دومًا مع بني إسرائيل.
11
نار من السماء
وبمرور الأيام بدأ بني إسرائيل يشتكون من الصعوبات التي تقابلهم. فغضب الله حين سمع تذمرهم، وأنزل نارًا عليهم أحرقت أطراف مخيمهم. فصرخ بني إسرائيل إلى موسى لينقذهم، فتوسل موسى لله فرفع الله النار التي أشعلها في مخيهم. فسموا هذا المكان "تبعيرة" (ومعناه الحريق) لأن نار الله اشتعلت هناك فيهم. وحدث في يوم أن اشتهى بني إسرائيل، وآخرين غرباء من الذين كانوا قد خرجوا من مصر معهم، الطعام الذي كانوا يأكلونه في مصر. فأخذوا يبكون ويقولوا: «نريد أن نأكل لحمًا! في مصر كنا نأكل من السمك كما نشتهي، وكان لدينا البطيخ والخيار والكراث والبصل والثوم. وها نحن الآن قدورنا خاوية وليس لدينا شيء مما تشتهي أنفسنا، ولا نجد إلا هذا المن أمام أعيننا!» وكان المن مثل حبوب بيضاء صغيرة تنزل مع ندَى الليل على مخيم بني إسرائيل. فكان بني إسرائيل يخرجون في الصباح ليجمعوه، فيطحنوه ويطبخوه أو يخبزونه. وكان طعمه مثل الرقائق المحلاة المطبوخة بزيت الزيتون. ووقف بني إسرائيل يشتكوا ويبكون حول خيمهم. فغضب الله عليهم، واضطرب موسَى حين سمع شكوتهم. فدعىَ الله وقال: «يا رب، لماذا تفعل كل هذا بعبدك؟ وما الذي فعلته لأستحق سخطك؟ فقد حملتني مسئولية كل هذا الشعب، لكنهم ليسوا أبنائي. أنت الذي جعلتهم في رعايتي وطلبت مني أن أحملهم كما تحمل الأم أطفالها إلى أرض آبائهم. وها هم الآن يبكون من أجل أكل اللحم. فمن أين لي أنا أن أحضر لحمًا يكفي كل هذا الشعب؟ هذا فوق طاقتي، ولا أقدر على رعاية كل هذا الشعب وحدي. إن كنت هكذا رضيت لي، فاقتلني الآن وخلصني من هذه الحياة البائسة»
موسىَ يختار سبعين مساعدًا من شيوخ بني إسرائيل
فقال الله لموسى: «يا موسى، انتقي سبعين شيخًا من الذين تعلم أنهم قادة ورقباء في بني إسرائيل، وأحضرهم أمامي في خيمة العبادة المقدسة. وحين أنزل وأتكلم معك في الخيمة، سأخذ من الروح التي عليك وأضعها عليهم، فيحملون مسئولية شعب بني إسرائيل معك. يا موسى، لن تكون بعد الآن مسئولآً عن رعاية كل هذا الشعب وحدك. أما بني إسرائيل فأنا سمعت بكائهم، وقولهم أن حياتهم في مصر كانت خيرًا لهم. يا موسى، قل لبني إسرائيل أن يطهروا أنفسهم ويستعدوا للغد، فأني سأعطيهم غدًا لحمًا ليأكلوا. لكن لأنهم رفضوني وأنا قائم في وسطهم، وبكوا وقالوا: "لماذا أخرجتنا من مصر؟" فلن يأكلوا اللحم يومًا أو يومين، ولا حتىَ عشرة أيام ولا عشرين. بل سيأكلون اللحم شهرًا كاملاً، حتىَ يخرج اللحم من أنوفهم وتعافه نفوسهم.» فقال موسَى: «يا رب، هذا الشعب الذي معي فيه ستمائة ألف رجل. فكيف تقول أنك ستطعم كل هذا العدد وعائلاتهم من اللحم شهرًا كاملاً؟ حتَى لو ذبحنا لهم كل المواشي والأغنام التي لدينا، أو إن جمعنا لهم كل سمك البحر، فلن يكفي كل هذا لإطعامهم.» فقال الله: «يا موسَى، أنا هو الله القادر على كل شيء. أنظر وستشهد بنفسك كلماتي تتحقق أمام عينك.» فبلغ موسَى بني إسرائيل بما قاله الله. ثم جمع سبعين شيخًا من بني إسرائيل، وذهب بهم إلى خيمة العبادة المقدسة وأوقفهم حولها. فنزل وحي الله على الخيمة في السحابة وتكلم مع موسَى. وأخذ الله من الروح التي علىَ موسَى، ووضعها علىَ شيوخ بني إسرائيل السبعين. فتكلموا بروح النبوة فترة من الزمن ولم يتنبأوا بعدها. لكن الداد ومداد، وهما شيخان من الشيوخ السبعين الذين أختارهم موسَى، كانا قد تخلفا عن الحضور عند خيمة العبادة المقدسة. لكن روح النبوة حلت عليهم أيضًا وتنبآ في المخيم. فجرَى أحد الشبان وأخبر موسَى بأن الداد ومداد يتنبأن في المخيم. فلما سمع يشوع بن نون الذي كان مع موسَى هذا الكلام، قال لموسَى: «يا سيدي، يجب أن تمنعهما.» فقال موسَى: «هل تغارُ يا يشوع؟ أو لعلك تخاف أن يأخذا مكاني؟ ياليت الله يُنزل من روحه علىَ كل شعبه، ويتنبأوا كلهم.» ثم رجع موسَى ومعه الشيوخ الثمانية والستين من خيمة العبادة المقدسة إلى المخيم.
طيور السلوىَ - لحم من السماء
وبعد ما رجع موسَى والشيوخ إلى المخيم، أرسل الله ريحًا قوية حملت طيور السلوىَ أو السمان من البحر وألقت بها على مخيم بني إسرائيل. فتجمعت أكوام من طيور السمان أرتفاعها أكثر من ذراعين، وامتدت على مسافة مسيرة يوم من كل الجهات حول المخيم. فخرج بني إسرائيل وجمع كل واحد منهم ما لا يقل عن عشرة أكياس كبيرة، وظلوا يجمعوا الطيور طوال يومين كاملين. ثم حول المخيم علقوها حتىَ تجف ويحفظوها. لكن غضب الله ثار عليهم، وضربهم الله بوباء شديد قبل أن يمضغوا اللحم الذي في أفواههم. فسموا هذا المكان قبروت هتأوة، ومعناه قبور الشهوة، لأنهم دفنوا هناك الذين اشتهوا أكل اللحم. بعدها حل بني إسرائيل مخيمهم ورحلوا من قبروت هتأوة إلى منطقة حضيروت.
12
غيرة هارون ومريم من موسَى
ووصل بني إسرائيل منطقة حضيروت. في هذا الوقت كان النبي موسَى قد تزوج من امرأة نوبية، فغضب منه أخوته هارون ومريم وانتقدوه أمام الناس. وبدأ هارون ومريم أخوة موسَى يقولون: «وهل كلم الله موسَى وحده؟ ألم يتكلم معنا نحن أيضًا!» وسمع الله ما قاله هارون ومريم، فغضب الله من كلامهما. وكان النبي موسَى حليمًا متواضعًا أكثر من كل الناس على الأرض. فقال الله لموسَى وهارون ومريم: «أحضروا الآن أنتم الثلاثة أمامي في خيمة العبادة المقدسة». ففعلوا كما أمرهم الله. فنزل وحي الله في عمود السحاب عند باب خيمة العبادة المقدسة، ونادىَ على هارون ومريم، فتقدما وحدهما. فقال الله لهارون ومريم: «اسمعا، حين كنت أرسل فيكم نبي، كنت أكشفُ له أو أكلمه في الرؤيا. أنما عبدي موسَى فالأمر معه يختلف، فهو المؤتمن على بيتي والقائد على شعبي. وأنا أكلمه من غير حلم ولا رؤيا ويرىَ هيئتي، ويفهم بوضوح كل كلامي. فكيف لا تخشون وتتكلمون على موسَى عبدي؟» ولما أرتفع وحي الله في عمود السحاب، أصبح جلد مريم أبيض مثل الثلج وكأنها مصابة بالبرص. فقال هارون لموسَى: «يا سيدنا، أرتكبنا في حقك ذنبًا بحماقتنا، ونعرف أننا أخطئنا، فاعفو عنا ولا تعاقبنا. لا تترك مريم هكذا مثل الجنين الميت الخارج لحمه مهري من رحم أمه». فصرخ موسَى ودعىَ الله: «يا رب اشفها واعفو عنها». فقال الله لموسَى: «يا موسَى، لو كان أبوها بصق على وجهها، ألن تظل سبعة أيام مخزية بعارها؟ فاعزلوها خارج المخيم سبعة أيام وبعدها تُرجعوها». فعزلوا مريم سبعة أيام خارج المخيم. ولم يرحل بني إسرائيل من المكان إلا حين رجعت مريم. وبعدها رحل بني إسرائيل من منطقة حضيروت، واتجهوا للشَمَال وخيموا في صحراء فاران في شمال شرق سيناء وجنوب صحراء النقب.
13
موسَى يرسل قادة من بني إسرائيل ليستطلعوا أرض كنعان
وبعد فترة حين وصل بني إسرائيل منطقة قادش التي في صحراء فاران في شمال شرق سيناء، أوحى الله تعالى إلى موسَى: «يا موسَى، أختار رجل من كل قبيلة في بني إسرائيل ليكونوا قادة على قبائلهم، وأرسلهم ليستطلعوا أرض كنعان التي وهبتها لبني إسرائيل.» فأرسل موسَى قائد من كل سبط في بني إسرائيل كما أمره الله. وهذه أسماء الأثني عشر قائدًا الذين اختارهم موسَى من قبائل بني إسرائيل: شَمُّوعُ بْنُ زَكُّورَ منْ سِبْطِ رَأُوبَيْنَ، شَافَاطُ بْنُ حُورِي منْ سِبْطِ شِمْعُونَ، كَالَبُ بْنُ يَفُنَّةَ منْ سِبْطِ يَهُوذَا، يَجْآلُ بْنُ يُوسُفَ منْ سِبْطِ يَسَّاكَرَ، يشوع بْنُ نُونٍ منْ سِبْطِ أَفْرَايِمَ، فَلْطِي بْنُ رَافُو منْ سِبْطِ بَنْيَامِينَ، جَدِّيئِيلُ بْنُ سُودِي منْ سِبْطِ زَبُولُونَ، جِدِّي بْنُ سُوسِي مِنْ سِبْطِ مَنَسَّى عَنْ سِبْطِ يُوسُفَ، عَمِّيئِيلُ بْنُ جَمَلِّي منْ سِبْطِ دَانَ، سَتُورُ بْنُ مِيخَائِيلَ منْ سِبْطِ أَشِيرَ، نَحْبِي بْنُ وَفْسِي منْ سِبْطِ نَفْتَالِي، جَأُوئِيلُ بْنُ مَاكِي منْ سِبْطِ جَادَ. هذه هي أسماءُ الرجالِ الذين أرسلهم موسَى ليَتَستطلعوا أرضَ كنعان. حينها بَدَل موسىَ اسم مساعده هوشَع بن نون وسماه يَشوع. وقال لهم موسَى قبل أن يرسلهم: «أسمعوا يا قادة قبائل بني إسرائيل، بعد أن تعبروا صحراء النقب، استمروا في طريقكم للشمال واصعدوا على التل في أرض كنعان. واستطلعوا أحوال البلاد. ما مَدىَ قوة أو ضعف شعبها؟ وعدد سكانها كثير أو قليل؟ وهل المدن التي يعيشون فيها مكشوفة أو بالأسوار محصنة؟ أنظروا إن كانت أرضهم صالحة للزراعة، واعرفوا نوع الأشجار التي تنمو هناك. قد حان وقت حصاد الكروم، فحاولوا أن تجلبوا معكم بعض الثمار من التي تنمو هناك». فانطلق الرجال وعبروا صحراء النقب حتىَ وصلوا إلى مدينة حبرون الخليل، واستطلعوا كل أرض كنعان. فرأوا شعب بني عناق العمالقة، وجلبوا معهم ثمارًا من محاصيل الأرض من العنب والرمان والتين. وبعد أن أستطلع الرجال لمدة أربعين يوماً في أرض كنعان، رجعوا إلى موسَى في منطقة قادش حيث مخيم بني إسرائيل. وابلغوا موسَى وهارون وكل بني إسرائيل بكل ما شاهدوه هناك، وعرضوا عليهم الثمار التي جلبوها من أرض كنعان. وقالوا: «يا موسَى، أستطلعنا أرض كنعان كما أمرتنا، فوجدناها حقًا تفيض لبناً وعسلاً، وهذه هي ثمارُهَا. لكن الشعب الذي يسكنها قوي وكبير وتسكنها قبائل كثير، ومدنهم كبيرة ومحصنة بالأسوار. حتَى أننا رأينا فيها ثلاثة قبائل من بني عناق العمالقة». لكن كالب بن يوفنة ويوشع بن نون اللذان كانا من الأثني عشر رجلاً الذين أرسلهم موسَى تدخلا وطمأنا الشعب وقالا: «دعونا نذهب لنأخذ الأرض، نحن على ذلك بالفعل قادرون». لكن الرجال العشرة الآخرين أعترضوا عليهما ونشروا الشائعات في بني إسرائيل، وقالوا: «يا بني إسرائيل، هم أقوىَ كثيراً منا وسيفترسوننا أن نحن حاولنا نأخذ أرضهم. تلك الأرض التي أستطلعناها حقًا تفيض لبناً وعسلاً، لكنها مخيفة وسكانها عمالقة جبارين، حين رأيناهم هم شعرنا أننا كالجراد أمامهم».
14
بني إسرائيل يتمردون على موسَى بسبب كلام الرجال المستكشفين
ولما سمع بني إسرائيل كلام الرجال الذين أرسلهم موسَى ليستكشفوا أرض كنعان، خافوا جدًا وظلوا يبكون طوال الليل. واشتكوا على موسىَ وهارون وقالوا: «ليتنا متنا في مصر أو حتى متنا في هذه الصحراء هنا. هل أخرجنا الله من مصر وجاء بنا إلى هذه الأرض ليهلك الرجال بالحرب وتسبَى نساؤُنا وأطفالنا؟ أليس خيراً لنا أن نرجع إلى مصر؟ دعونا نختار لنا قائدًا ونرجع لأرض مصر.» فوقع موسَى وهارون علَى وجهيهما من خشية الله أمام كل شعب بني إسرائيل. وقام يشوع بن نون وكالب بن يفنة اللذان كانا من ضمن المستكشفين في أرض كنعان ومزقا ثيابهُما حسرةً مِن كلام بني إسرائيل. وقالا: «أسمعوا يا كل بني إسرائيل، لقد رأينا بأنفسنا أن تلك الأرض فيها من كل الخيرات. فإن كان الله قد رضي عنا فسيدخلنا تلك الأرض ويعطيها لنا. فلا تتمردوا علَى الله، ولا تخافوا من أهل هذه الأرض. فإن كان الله معنا فلن يستطيعوا أن يدافعوا عن أنفسهم وسنأكلهم مثل الخبز» لكن بني إسرائيل ثاروا عليهما وحاولوا أن يرجموهما. حينئذٍ، ظهر مجدُ اللهِ في خيمةِ العبادة المقدسة أمام كل شعب بني إسرائيل. وَقالَ اللهُ لِمُوسَى: «إلى متىَ يستهين بي هذا الشعب ويعصون أمري؟ إلى متىَ لا يؤمنون برسالتي بالرغم من كل ما شهدوه من عجائب قدرتي؟ لذلك يا موسَى سأرسل عليهم وباءً يفنيهم، وسأجعل من نسلك أنت أمةً أعظم وأقوىَ منهم.» فقالَ موسَى لله: «ربي، بيد قدرتك أخرجت شعبك من أرض مصر وخلصتنا، فلا تهلكنا برحمتك في الصحراء هنا. فإن فعلت فيسمع المصريين وينقلون الخبر إلى الكنعانين عما فعلته بنا. والكنعانيون قد عرفوا أننا شعبك وأنك إلهنا، وسمعوا كيف أنك تقودنا بعمود السحاب بالنهار وعامود النار بالليل. فلو أهلكتنا، سيدعون أنك أخرجتنا من مصر لكن لم تكن قادرًا على أن تدخلنا أرض كنعان كما وعدتنا. يا رب، أظهر عظمة قدرتك كما وعدتنا وقلت لنا: ‹أنا هو الله اللطيف الحليم وأنا هو الصبور الرحيم، لكن كل المذنبين أحاسبهم هم وأبنائهم وأحفادهم› فيا رب، أنت الرحيم فاحفظ وعدك لشعبك وتجاوز عن المسيئين، واغفر لهذا الشعب كما رحمتنا منذ أن أخرجتنا من أرض المصريين.» فقال الله لموسىَ: «يا موسَى، عفوت عنهم كَما سألتني. لكني أُقسمُ بعزتي وجلالي ألا يدخل أحد من شعب بني إسرائيل الأرض التي وعدت بها أبائهم. لأنهم تمردوا وعصوني كثيرًا برغم أنهم شهدوا كل عجائب قدرتي على أرض مصر وفي الصحراء هنا. أما عبادي كالب بن يفنَه ويشوع بن نون فليسا مثل الآخرين، فقد آمنا بي وكانا من المُصدقين. فسأدخلهما لأرض كنعان وذريتهما ستسكن فيها. الآن أسمع يا موسىَ، العمالقةُ والكنعانيون يسكنونَ في الوادي. فعليكم أن ترجعوا في الغد وتتجهوا نحوَ الصحراءِ في الطريقِ إلى البحر الأحمرِ.» ثم قال الله لموسَى وهارون: «إلى متَى يا موسَى وهارون يتمرد هذا الشعب العاصي وأعفو عنهم؟ فقد تمردوا واشتكوا عليَّ وسمعتهم. يا موسَى وهارون، بلغا بني إسرائيل أني أقول لهم: "أنا هو الله. أقسم بعزتي وجلالي أن أفعل بكم كما تكلمتم بسوء ظنكم. سيموت في الصحراء هنا كل مَن تمرد عليَّ ممَن تعدىَ سن العشرين من الرجال القادرين على القتال الذين أحصاهم موسَى. ولن يدخل أحد منكم الأرض التي وعدتكم، إلا كالب بن يفنة ويشوع بن نون. أما أطفالكم الذين قلتم أنهم سيكونوا غنيمة للأعداء، فهم الذين سأدخلهم الأرض التي رفضوتها فيسكنوا فيها ويتمتعوا بخيراتها. وأنتم ستموتون في الصحراء هنا. وجزاء تمردكم، سيظل بنيكم تائهون يعانون في هذه الصحراء أربعين سنة حتى يفنى أخر واحد منكم. أربعون سنة تعانون فيها جزاء خطاياكم. سنة في التيهه مقابل كل يومٍ من الأيام الأربعين التي قضيتموها في أستكشاف أرض كنعان. فتذوقوا عاقبة غضبي عليكم. أنا هو الله، وهذا هو عقابي الذي سأنزله على هذا الشعب المتمرد العاصي. فجزاء عصيانهم يموتوا وفي الصحراء يكون فنائهم». وحين سمع بني إسرائيل ما قاله الله لموسَى وهارون، بكوا وصرخوا نائحين. وضرب الله الرجال العشرة الذين قد أرسلهم موسىَ ليستطلعوا الأرض بوباء فأهلكهم. وفي الصباح الباكر عصَى بني إسرائيل ما أمرهم به الله وارادوا أن يصعدوا نحو مرتفعات التلال في أرض الكنعانين. وقالوا: «قد عصينا الله ونحن مُخطئين، لكن ها نحن الآن صاعدين إلى الأرض التي وعدنا بها رب العالمين.» فقال لهم موسىَ: «يا بني إسرائيل، أنتم تعصون ما أمر به رب العالمين، ولن تفلحوا فيما أنتم عليه عازمين. أياكم أن تصعدوا لأن هذه المرة لن يكون الله معكم في حربكِم، لأنكم تمردتم وأدرتم له ظهوركم. فسيهاجمكم العماليق والكنعانين وسيهزمونكم.» لكنهم تجاهلوا قول موسىَ ومشوا ليصعدوا على تلال الكنعانين، بالرغم من أن موسَى بقي مع تابوت العهد المقدس في المخيم ولم يذهب معهم. فنزلَ على بني إسرائيل العمالقةُ والكَنعانيين الذين كانوا يسكنون على تلكَ التلالِ، فهجموا عليهم وهزموهم. وظلوا يطاردوهم طوال الطريق حتىَ منطقة حُرْمَة جنوب البحر الميت.
20
وفاة مريم أخت موسَى وهارون / عقوبة عصيان موسَى وهارون
وفي الشهر الأول من السنة الأربعين بعد خروج بني إسرائيل من مصر، وصل بني إسرائيل إلى صحراء صين في شرق سيناء وجنوب صحراء النقب بالقرب من منطقة قادش. وهناك ماتت ودُفنت مريم أخت موسَى وهارون. وفي منطقة قادش لم يكن الماء متوفرًا. فاجتمع بنو إسرائيل على موسَى وهارون. واشتكوا على موسَى وقالوا له: «يا موسَى، كان خيرًا لنا لو أننا هلكنا مع الذين أهلكهم الله من أخواننا، من أن نموت من العطش هنا. هل أتيتما بنا إلى هذه الصحراء لنهلك فيها نحن ومواشينا؟ لماذا أخرجتمانا من مصر وأتيتما بنا إلى هذه الصحراء الجرداء، لا زرع فيها ولا كرم ولا تين ولا رمان ولا نجد حتى الماء؟» فمشَى موسى وهارون من أمام بني إسرائيل، وذهبا إلى خيمة العبادة المقدسة وسجدا لله عند مدخل الخيمة. فظهر لهما مجد الله. وقال الله لموسَى: «يا موسَى، خذ العصا، وأذهب أنت وهارون وأجمعا شعب بني إسرائيل. ثم تأمر الصخرة أمامهم وتقول: أيتها الصخرة أخرجي الماء. فيخرج الماء من الصخرة، فيشرب بني إسرائيل ويسقوا مواشيهم». ففعل موسَى كما أمره الله، وأخذ العصا ورجع إلى بني إسرائيل. ثم جمع موسَى وهارون بني إسرائيل عند الصخرة وقالا لهم: «أنظروا أيها العصاة المتمردين، أعلينا أن نخرج لكم الماء من الصخر؟ أذن أنظروا بأعينكم كيف سنخرج لكم منها الماء». فرفع موسَى يده وضرب بالعصا على الصخرة مرتين، فتفجر من الصخرة ماءٌ غزير. فشرب بنو إسرائيل وسقوا مواشيهم. لكن الله غضب وقال لموسَى وهارون: «يا موسَى وهارون، من أجل أنكما لم تؤمنا بقدرة كلمتي، لم يقدسني بني إسرائيل حق قداستي. لذلك لن تكونا القادة الذين سيدخلون ببني إسرائيل إلى الأرض التي أعطيت لهم». وتم تسمية المكان ماء مريبة (ومعناه ماء الشكوىَ أو التذمر) لأن الله أظهر قداسته أمام بني إسرائيل برغم أنهم تمردوا وأشتكوا عليه في هذا المكان.
ملك أدوم يرفض عبور بني إسرائيل من أرضه
وحين كان بني إسرائيل ما زالوا يخيمون في منطقة قادش، فكر موسَى أن يعبر أرض أدوم الواقعة بين البحر الميت وخليج العقبة في شرق نهر الأردن. فبعث موسَى رُسلاً إلى ملك قبيلة أدوم أبناء/ نسل/ سلالة عيسو أخو يعقوب ليقولوا له: «أنت تعلم أننا بني إسرائيل أخوانكم وأقاربكم، ولابد أنكم قد سمعتم عما حدث لنا وعن المصاعب التي تواجهنا. فقد رحل أجدادننا إلى مصر واستقروا هناك مدة طويلة من الزمان. لكن بعدها أنقلب المصريون علينا وسامونا سوء العذاب. فصرخنا إلى الله فاستجاب لدعواتنا، وأرسل لنا ملاكًا أخرجنا من أرض مصر وجاء بنا إلى هنا. ونحن الآن مخيمون بالقرب من منطقة قادش على حدود بلادك. فمن فضلك، أسمح لنا أن نمر في أرضك. ونعدك أننا لا نمشي في حقل ولا نقرب كرمة عنب ولا نشرب من ماء بئر، بل نسير في طريق الملك العام الذي يسير فيه المسافرين، لا ننحرف عنه لا يسارًا ولا يمين حتى نخرج من حدود بلادك». لكن ملك ادوم قال لهم: «لن أسمح لكم. وأياكم أن تعبروا من أرضي وألا بالسيف خرجنا عليكم». فبعث موسَى رسله مرة أخرى ليقولوا لملك أدوم: «نعدك الا نسير إلا في طريق المسافرين العام، وإن شرب احد منا أو من مواشينا من ماءك فسندفع ثمنه. لا نطلب منك إلا المرور على أرجلنا في أرضك». فقال لهم ملك أدوم: «لن أسمح لكم أن تمروا في أرضنا». وجمع ملك أدوم قوات جيشه وجهزههم لمهاجمة بني إسرائيل. فغير بنو إسرائيل أتجاههم ليتجنبوا المرور في أرض ملك أدوم.
وفاة هارون على جبل هور
وفي الشهر الخامس من السنة الأربعين بعد خروج بني إسرائيل من مصر، رحل بنو إسرائيل من منطقة قادش ومشوا حتَى وصلوا إلى جبل هور (بالقرب من منطقة البتراء جنوب صحراء الأردن الآن). وحين وصلوا جبل هور، قال الله: «يا هارون، هنا على هذا الجبل ستموت. أنت وموسَى لم تطيعا أمري يوم ماء مريبة، لذلك لن تدخل الأرض التي أعطيت لبني إسرائيل. يا موسىَ، خذ هارونَ وابنَهُ البكر ألِيعازارَ واصعد بهما إلى جبلِ هورَ. ثم تنزع عن هارون ثياب الكهنوت وتضعها على أبنهِ أليعازر. لأن هارون هناك سيموت وسيلحق بأبائه الأولين.» فصعد موسىَ بهما جبلِ هورَ أمامَ جماعة بني إسرائيل، وفعل كما أمره الله. فنَزَعَ موسىَ عن هارون ثياب الكهنوت وألبَسَها لألِيعازارَ ابنِهِ. وتوفىَ الله هارون عند قمة الجبل، فنزل موسىَ وأليعازر بن هارون من على جبل هور. وهكذا مات هارون على جبل هور بعد أربعين سنة من خروج بني إسرائيل من مصر. وكان عمر هارون مائة وثلاثة وعشرين سنة حين توفاه الله. وحين عرف بني إسرائيل بوفاة هارون، بكوا عليه لمدة ثلاثينَ يَوماً.
21
نذر بني إسرائيل
في ذلك الوقت، كان ملك آراد الكنعاني يحكم على منطقة جنوب صحراء النقب. وحين سمع أن بني إسرائيل في الطريق متجهين إلى أرضه، خرج عليهم وهاجمهم وأسر بعضًا منهم. فنذر بني إسرائيل لله نذرًا وقالوا: «يا رب، إن نصرتنا على هؤلاء القوم، فسنُبيدَهم هم وأملاكِهم تقربًا لك». فاستجاب الله لهم ومكنهم من إبادة جيش الكنعانيين كله وتدمير أملاكهم. لذلك تم تسميه المكان حُرمَة (ومعنى الأسم: الخراب)
موسَى يصنع الحية النحاسية لنجاة بني إسرائيل من لدغة الحيات
ثم رحل بني إسرائيل من جبل هور حيث دُفن هارون، ومشوا في إتجاه البحر الأحمر حتى يلتفوا حول أرض أدوم دون المرور فيها. لكن بني إسرائيل لم يتحملوا ونفد صبرهم في الطريق. فاشتكوا ضد الله وموسَى وقالوا: «هل أخرجتمانا من مصر فقط لتُميتانا هنا في الصحراء؟ فلا يوجد هناك ماء، وأنفسنا عافت هذا المن الذي ينزل علينا». فأرسل الله على بني إسرائيل حيات سامة لدغتهم فقتلت الكثيرون منهم. فجاء جماعة من بني إسرائيل إلى موسَى وقالوا: «قد أخطأنا حين أشتكينا ضد الله وضدك. فالآن من فضلك تضرع لله حتى يبعد هذه الحيات عنا». فتضرع موسىَ لله من أجل بني إسرائيل. فأستجاب الله لموسَى وقال: «يا موسَى، أصنع حية من النحاس، وارفعها على عمود. وأي شخص لدغته حية ينظر إلى الحية النحاسية، سيشفَى ولا يموت». ففعل موسَى كما أمره الله وصنع حية نحاسية ورفعها على عمود. فكان كل مَن تلدغه حية، ينظر إلى الحية النحاسية المرفوعة على العمود فيُشفى ولا يموت.
27
موسَى يسلم يشوع بن نون قيادة بني إسرائيل
ومشَى بنو إسرائيل حتى وصلوا أرض موءاب شرق نهر الأردن بالقرب من منطقة أريحا، وهناك قالَ اللهُ لموسَى: «يا موسَى، أصعَد علَى جبل نبو هذا، وانظر على الأرضِ التي سأعطيها لبني إسرائيل. وبعد أن تَراها، توفي أجلك وتلحق بآبائِكَ، كما لحقَ بهم أخوكَ هارونُ قبلك. لأن أنت وهارون عصيتما أمري عند ماء مريبة قُرب قادِشَ في صحراء صين، ولم تؤمنا بقدرة كلمتي فلم يقدسني بني إسرائيل حق قداستي». فقال موسىَ لله: «يا رب أنت مالك الملك وأنت اعلم بما في الصدور مني، فأسئلك أن تختار من بني إسرائيل قائدًا يخلفني. يا رب هذا شعبك ويحتاجون إلى قائدٍ يقودهُم ويدبرُ أمورهُم، وإلا سيصبحوا كغنمٍ مُشتتٍ بلا راعٍ يجمعهم.» فقالَ الله لموسَى: «يا موسَى، خذ يشوع بن نون، فهو رجل فيه من روح الله، وضع يدك عليه، لتعلنه خليفتك أمام أليعازر بن هارون الكاهن وكل شعب بني إسرائيل. وتسلمه القيادة أمامهم وتوصي بني إسرائيل أن يطيعوا أمره. ويجب على يشوع بن نون أن يرجع لمشورة أليعازر بن هارون الكاهن الذي سأرشده وأهديه، ليعرف منه ما أشرت به عليه في كل أمور بني إسرائيل». ففعل موسىَ كما أمره الله، وأخذ يشوع بن نون وأوقفه أمام أليعازار بن هارون الكاهنِ وكل شعب بني إسرائيل. ووضع يده عليه كما أمره الله، وسلمهُ القيادةِ أمام كل بني إسرائيل.
سفر التثنية
34
موسَى يكتب الشريعة ويقرأها على بني إسرائيل
وبعد حوالي ستة أشهر من وفاة هارون، وفي اليوم الأول من الشهر الحادي عشر بعد أربعين سنة من خروجهم من مصر، وصل بني إسرائيل إلى منطقة أسمها سوف في أرض موءاب شرق نهر الأردن. وهناك كتب موسَى الشريعة التي أنزلها الله وفسرها لبني إسرائيل، ثم سلم موسَى الشريعة مكتوبة للأحبار حملة تابوت العهد المقدس وكل شيوخ بني إسرائيل. ثم قال لهم: «يا بني لاوي أحبار بني إسرائيل، خذوا هذه التوراة التي كتبتها لكم وضعوها بجانب تابوت العهد المقدس، لتكون شاهدًا على أني بلغتكم بما يريده الله منكم. لكني أعلم يا بني إسرائيل أنكم شعب متمرد وعنيد. فقد تمردتم على الله وأنا حي موجود بينكم، فكيف سيكون حالكم بعد أن أموت وأترككم؟ الآن، أجمعوا لي كل القادة وشيوخ القبائل في بني إسرائيل، حتى أتلو عليهم كل كلمة في التوراة، وأشهد السماوات والأرض أني بلغتكم جميعًا بما أراد الله منكم. يا بني إسرائيل، أعلم أنه قد أقترب أجلي، وأعلم أنكم ستنحرفون عن وصيتي وأنكم ستضلون من بعدي. فيغضب الله عليكم وتنزل المصائب على رؤوسكم نتيجة شرور أنفسكم والأصنام التي ستصنعوها بأيديكم» وبعد ما قرأ موسَى التوراة على بني إسرائيل، وفي نفس اليوم قال الله لموسَى: «يا موسَى، أصعد إلى جبل نبو في أرض موءاب مقابل مدينة أريحا. وألقي نظرة على أرض كنعان التي أعطيتها لبني إسرائيل. يا موسَى، على هذا الجبل الذي ستصعد عليه ستوفي أجلك وتلحق بآبائك، كما مات أخوك هارون على جبل هور ولحق بآبائه قبلك. لأن عند ماء مريبة في قادش صحراء صين لم تؤمن أنت وهارون بقدرة كلمتي، فلم يقدسني بني إسرائيل حق قداستي. لهذا يا موسَى، ستنظر بعينك فقط الأرض التي أعطيتها لبني إسرائيل، لكنك ستوفي أجلك دون أن تدخلها».
وفاة موسَى على جبل نبو
بعدها بفترة، أمر الله موسَى بأن يصعد على قمة جبل نبو شرق نهر الأردن في مقابلة منطقة أريحا. فصعد موسَى على جبل نبو كما أمره الله. فجعله الله يرىَ كل أرض كنعان التي وعد بها إبراهيم. ثم قال الله لموسَى: «يا موسَى، هذه هيَ الأرضُ التي وعَدتُ بأن أُعْطيَها لإبراهيمَ وإسحاقَ ويعقوبَ. الآن يا موسَى وقد جعلتك تراها بعينك، لكنك لن تدخلها» ثم توفَى الله عبده موسىَ على الجبل كما سبق ونبأه. ووارىَ الله جسد موسىَ في الوادي الذي في أرضِ موآبَ. ولا أحد يعرفُ موضعَ قبرهِ حَتَّى يومنا هذا. وكان موسَى قد بلغ من العمر مِئَةِ وعشرينَ سنة حين توفَاه الله. أربعون سنة تربَى فيها في قصر الفرعون، وأربعون سنة في خدمة النبي شعيب، وأربعون سنة في قيادة بني إسرائيل في الصحراء. وظل جسد موسَى قويًا طوال حياته ولم يعجز بصره حتى توفاه الله. وأقام بنو إسرائيل العزاء على موسَى ثلاثينَ يوماً في وادي موآب بحسب تقاليد بني إسرائيل. أما فتَى موسَى يشوع بن نون، فكان قد امتلأ بروح الحكمة والنبوة حين وضع موسَى يده عليه ليكون خليفته. فسمع له بني إسرائيل واطاعوه كما وصاهم موسَى. ولم يظهر بعدها في بني إسرائيل نبي مثل موسىَ، الذي كان الله يوقفه أمامه ويكلمه مباشرة. والذي أرسله الله ليفعل العجائب والمعجزات أمام فرعون وكل قومه. ولم تظهر في بني إسرائيل عجائب عظيمة مثل التي فعلها موسَى وشهدها كل بني إسرائيل.