المقدمة
النبي يونس أو ذا النون، هو يونان بن أمتاي، من قبيلة أو سبط زوبولون في بني إسرائيل. في زمن النبي يونس بن أمتاي، كانت مملكة آشور إمبراطورية قوية، وعاصمتها كانت مدينة نينوىَ (الواقعة في منطقة شمال العراق الآن). في ذلك الوقت كانت مملكة آشور العدو الأكبر لبني إسرائيل.
1
دعوة النبي يونس
وفي يوم من الأيام، أوحى الله إلى يونس بن أمتاي، وقال: «يا يونس، قم وأذهب إلى نَينوىَ المدينة الكبيرة ، وأنذرهم وقل لهم: "يا أهل نينوى، قد رأىَ الله الشر المتفشي بينكم وسينزل عقابه عليكم"».
لكن يونس هرب من أمر الله. وبدلاً من أن يذهب إلى نينوى في الشرق، ذهب إلى ميناء يافا. فوجد سفينة على وشك الإبحار متوجهه إلى ترشيش في الغرب (إسبانيا الآن). فدفع يونس الأجرة وركب السفينة، وأبحرت به السفينة من ميناء يافا.
لكن بعد أن مشت السفينة في البحر بوقت قليل، أرسل الله ريحًا قوية، فقامت عاصفة شديدة وضربت السفينة وكانت على وشك أن تحطمها. ففزع بحارة السفينة وأستغاثوا بآلهتهم، وألقوا بضاعتهم من على السفينة في البحر ليخففوا حمولتها. في هذا الوقت كان يونس قد نزل تحت سطح السفينة، وراح في نوم عميق. فنزل ربان السفينة وقال ليونس: «يا رجل، كيف يمكنك أن تنام في وقت مثل هذا؟ قم وتضرع إلى إلهك، فعساه أن يشفق علينا وينجينا من الغرق!» وحين رأى البحارة أنه لا فائدة من دعواتهم ولا من إلقائهم لبضاعتهم، أجتمعوا وقالوا لبعضهم: «هيا، دعونا نلقي قرعة لنعرف مَن هو سبب البلاء الذي نحن فيه». فوقعت القرعة على يونس. فقال البحارة ليونس: «هل أنت مَن جلب كل هذه المتاعب علينا؟ أخبرنا ما حرفتك؟ من إين أتيت؟ ومن أي البلاد جئت؟ ومن أي قومٍ أنت؟» فقال لهم يونس: «أنا عبراني، أعبد الله رب السماء، خالق الأرض والبحر.» وحين عرفهم يونس أنه هارب من أمر الله، فزع البحارة وقالوا له: «يا يونس، هل تعرف ما الذي فعلت؟!» وزادت العاصفة وهاج البحر عليهم أكثر، فقال البحارة ليونس : «ماذا نفعل بكَ حتى يسكن البحر عنا؟» فقال لهم يونس: «خذوني وألقوني في البحر، فيسكن البحر عَنكم، لأن كل هذه العاصفة قامت بسببي.»
لكن البحارة كانوا خائفين من أن يتحملوا ذنب يونس، ففعلوا ما في وسعهم ليعودوا بالسفينة إلى البَر. لكن كلما مر الوقت كانت العاصفة تزيد عليهم أكثر. فاستغاث البحارة بالله وقالوا: «يا رب السماء خالق البر والبحر، كل هذا حدث بحسب مشيئتك. فلا تُهلكنا بسبب حياة هذا الرجل، ولا تحملنا ذنب قتل إنسان برئ». فأخذ البحارة يونس وألقوه في البحر، فسكن عنهم هياج البحر وهدأت العاصفة. ففزع البحارة وخَشَعوا لله، وقَدموا أضحية ونذروا لله نذوراً كثيرة. وسَخَر الله حوتاً فبلع يونس في جوفه. فلبث يونس في بطن الحوت ثلاثة أيام بلياليها.
2
دعاء النبي يونس في بطن الحوت
وحين كان النبي يونس في جوف الحوت، سبح الله ودعى وقال:
يا رب، صَرخت إليك من ضيقتي فلم تُخَيب برحمتك رجائي،
واستغثت بك من ظُلمات الموت فسمِعت بلطفك ندائي.
ربي، في قلب أمواج البحر ألقيتَني،
بين أمواج تغطيني وتيارات تحيطُني.
فَظَننتُ يا رب أن من وجهك الكريم طردتني،
ومن رؤية بيتك المقدس منعتني.
وها أنا الآن أغرق والبحر يحيطُني.
المياة تغمرني تكاد تُزهِق نَفْسي،
وعُشب البحر مُلتَف حول رأسي.
في قاع البحر غرقت،
وظننت أني تحت البحر للأبد سُجنت
لكنك يا رب خلصتني من هاوية الموت.
وحين كانت روحي تخرج ووهنت نفسي،
ذَكَرتك يا إلهي فاستجبت برحمتك لدعائي.
اللهم تُب على الذين يشركون بك،
ورد إليك من يكفرون بنعمتك.
وأنا يارب، أسبح بحمدك وأخلص لك عبادتي،
وأوفي بنذري لربي القادر على نجدتي.»
فأمر الله الحوت فلفظ يونس على البر.
3
توبة أهل نينوى
وبعد أن نجَى الله النبي يونس من بطن الحوت، أوحى الله له مرة أخرى وقال: «يا يونس، قم وأذهب إلى نَينوىَ المدينة الكبيرة وبلغهم بإنذاري لهم.» فأطاع يونس الله وذهب إلى نينوىَ. وكانت نينوى مدينة عظيمة ممتدة ضواحيها، تحتاج ثلاثة أيام للمرور فيها. ودخل يونس المدينة ومشىَ فيها مسيرة يوم، ثم أنذر الناس وقال لهم: «يا أهل نينوَى، بعد أربعين يوماً سيدمر الله المدينة». وحين سمع أهل نينوى تحذير الله لهم، آمنوا بالله. وصاموا ولبسوا ملابس الحداد كلهم.
ولما بلغ ملك المدينة خبر توبة الناس وإيمانهم برسالة يونس، قام من على عرشه وخلع ثيابه الملكية، ولبس ثياب الحداد، وجلس على التراب. وأصدر أمرًا للناس قال لهم فيه: «يا أهل نينوى، يجب عليكم الصيام وأن تمنعوا أيضًا عن مواشيكم الماء والطعام. وأن تلبسوا ثياب الحداد كلكم، وتدعوا لله من قلوبكم. وأن تظهروا توبتكم بالامتناع عن خطاياكم وشرور أنفسكم. فعسى الله أن يرجع عن غضبه ويرحمنا فلا نَهلك.»
وحين رأى الله صدق توبتهم وامتناعهم عن شرورهم، رحمهم ولم ينزل بهم العذاب كما أنذرهم.
4
النبي يونس يغضب من رحمة الله على أهل نينوى
وحين عرف يونس أن الله قد رحم أهل نينوى ولن يعذبهم، غضب ولم يرضَى برحمة الله بهم. فدعى يونس لله وهو غضبان وقال: «يا رب، كنت أعلم من البداية أنك كنت تتوعد أهل نينوى ليعودوا إليك وأنك لن تهلكهم، لأنك يا رب إله رحيم توفي بالوعد وأنت الودود الحليم. لهذا تركت أرضي وحاولت الهروب بعيدًا إلى أقصى الغرب. فالآن يا رب قد ضاقت نفسي وأتمنى أن تقضي بموتي» فقال الله: «يا يونس، بأي حق تضيق وتغضب؟»
وبعد ذلك، خرج يونس من بوابة المدينة الشرقية. وأقام ساترًا ليحتمي تحته من الشمس، وجلس يترقب ما سيحل على المدينة. وأنبت الله شجرة يقطين فوق رأس يونس ظللت عليه وحمته من حرارة الشمس. ففرح يونس بتلك الشجرة فرحًا عظيمًا. لكن في فجر اليوم التالي سخر الله دودة، قرضت شجرة اليقطين فذبلت. وحين أشرقت الشمس، أرسل الله ريحاً شرقية حارة، لفحت رأس يونس، فأصابه الإعياء من شدة حرارتها. فتمنى يونس الموت وقال: «الموت خيرًا لي من هذه الحياة.» فقال له الله: «يا يونس، بأي حق تضيق وتغضب من أجل تلك الشجرة؟» فقال يونس: «نعم من حقي أن أغضب حتى أتمنى الموت!» فقال الله: «يا يونس، أنت حزنت شفقة على شجرة بسيطة نَمَت وذَبُلَت بين ليلةٍ وضُحاها، لم تزرعها ولا تَعبت فيها. يا يونس، نينوى مدينة كبيرة فيها أكثر من مائة وعشرين ألف إنسان غير البهائم والأنعام، وهم يعيشون في ضلال، لا يميزون بين الحق والباطل. أفلا أشفق أنا على كل هؤلاء الناس؟»